كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[العقل لا يقضي بقبح العقاب]

صفحة 103 - الجزء 3

  تكون معصية الرسول ÷ أعظم من معصية الوالدين، فكذلك يجب أن تكون معصية الله أعظم؛ لعظم نعمته تعالى.

  ووجه آخر: وهو أن العقاب يستحق على المعاصي خالصاً من كل روح وراحة، فيجب أن يستحق على سبيل الدوام؛ لأن المُعَاقب إذا جَوَّز انقطاعه كان في سرور، وكلما كان العقاب أعظم كان السرور بانقطاعه أكثر، فيخرج العقاب من كونه خالصاً، وذلك محال.

  ووجه آخر: وهو أن معصية الله تعالى أعظم من معاصي العباد بعضهم لبعض، لأنها تعظم على قدر نعمة المَعْصِي؛ فإذا كانت نعمته عظيمة، غير مناسبة لنعم العباد بعضهم لبعض، وجب في معصيته أن تكون على هذا الحد في العظم، وقد ثبت أنه لا قدر من العقوبة المنقطعة، إلا وقد يستحق بمعاصي العباد بعضهم لبعض؛ فيجب أن يكون المستحق بمعصيته تعالى له مزية لا محالة، وليس ذلك إلا بالدوام.

  فصح بهذه الجملة من الأدلة ما ذكرناه، من خلود أهل النار الفساق منهم والكفار، وبطل قول الفقيه: «فإن لم تكن هذه ظلماً على أصولكم، فلا يعقل ظلم على متضمن دعاويكم أبداً».

[العقل لا يقضي بقبح العقاب]

  وأما قوله بعد ذلك [أي فقيه الخارقة]: «فإن هربوا عن هذا وقالوا: علمناه شرعاً لا عقلاً، قلنا: كيف يصح عندكم أن يرد الشرع بما قضى بقبحه العقل».

  فالجواب: أن العقل لم يقض بقبح العقاب، بل دل على حسنه، كما دل على حسن العفو، ثم دل السمع على وقوع أحد الحسنين الجائزين، وهو العقاب، ومنع من بقائه على التجويز، فكيف يقول: «إن الشرع ورد بحسن ما قضى بقبحه العقل»؟ ما أقبح الكذب وأشنعه!

  وأما قوله [أي فقيه الخارقة]: «على أنا قد دللنا على خلاف ما ذكرتم».