كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[توجيه لاستحقاق الخلود لمن عصى في آخر عمره]

صفحة 102 - الجزء 3

  سجد للصنم سجدة ثم مات، هل يعذب أم لا؟

  فإن لم يعذب، رددت ما هو معلوم من دين النبي ÷، وإجماع المسلمين.

  وإن قلت: يعذب، قيل لك: فهل يعذب منقطعاً؟ فإن قلت: يعذب منقطعاً، رددت الكتاب والسنة أيضاً، وما هو معلوم من الدين.

  وإن قلت: يعذب دائماً، قيل لك: فهل أبقيت مما استبعدته شيئاً إلا وقد قلت به، ولا فرق بين الأمرين، بل الجميع تهويل بما ليس عليه دليل.

  وأما كيفية استحقاق العقاب: فاعلم أنه يستحق بفعل المعصية وترك الطاعة العقاب بما به يستحق الذم، ولا شك أن الذم يستحق على وجه الدوام، ولهذا فإن من عرفت منه المعصية، ولم يعلم منه توبة، يستحق الذم، ولا يقدر الذم بمقدار وقت المعصية؛ لأنه لو كان كذلك لوجب انقطاع استحقاق الذم بانقضاء الوقت الثاني من وقت فعلها، أو مقداره في كل مكلف، ومعلوم بخلافه، فإنه يحسن منا ذم فرعون وهامان إلى يوم الدين.

  فإذا كان الذم والعقاب يستحقان على وجه واحد، ويستحقان أكثر من وقت الفعل، ولا حاصر لوقت زائد على وقت الفعل دون غيره، فيجب استحقاقهما دائماً؛ لأن تخصيص وقت دون وقت من غير دلالة لا يجوز، فيجب أن يستحق العقاب والذم دائماً، وهذا الدليل يعم جميع المعاصي إلا ما خصه الدليل بتوبة، أو بتكفير تكفره حسناته، أو وقع من غير مكلف وما أشبهه.

  ولوجه آخر: وهو أنه قد ثبت أن أقل قليل المعاصي أعظم من أقل قليل الطاعات؛ لأن عظم نعم الله تضعف طاعاته، وتعظم معاصيه، وإذا كان يستحق الثواب الدائم على أقل قليل الطاعات، وقد ثبت أن أقل قليل المعاصي أعظم منه، فَبِأن يستحق عليه العقاب أولى.

  يبين ما قلناه: أن معصية الوالدين مع عظم نعمتهما، لا تكون بمنزلة معصية واحد من الأجانب، وإنما كان كذلك لعظم نعم الوالدين، وكذلك يجب أن