كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[بحث لمعنى إيجاب الثواب على الله سبحانه]

صفحة 105 - الجزء 3

  وإما أن يكون لنفع غير المكلف، فذلك لا يخرجه عن كونه ظلماً في حق المكلف، إن كان النفع عائداً إلى غير المضرور.

  وإذا كان راجعاً إلى المكلف، فإما أن يمكن الابتداء بمثله قبح التكليف لأجله؛ لأنه كان يمكن إيصال النفع إليه من دون تحميل مشقة شديدة؛ لغرض يمكن إيصاله إليه من دونه.

  وإما أن يكون لنفع عظيم دائم خالص، مستحق على وجه التعظيم والإجلال؛ فهو الذي نقول: إنه واجب لأجل الحكمة، وبطل قوله: «إن كان واجباً فمن موجبه»؛ لأن الذي يحتاج إلى موجب يوجبه ولولاه لما وجب فذلك هو الواجبات الشرعية؛ فأما سائر الواجبات العقلية فإن وجوبها يرجع إليها، وإلى حال فاعلها.

  أما إليها: فمثل رد الوديعة، وقضاء الدين، وشكر المنعم، والإنصاف من النفس.

  وأما ما يرجع إلى حال الفاعل: فكما قلنا في التكليف، فإن عدل الله تعالى وحكمته اقتضيا أنه لا بد في إلزام المشاق من نفع يجبره، بحيث لا يحسن الابتداء بمثله، وفي ذلك صحة ما قلناه، وهذا أمر إذا تدبره العاقل عرف أن ما أوردناه هاهنا أصل يرجع إليه، ومفزع يعتمد عليه.

  وأما تمثيله التكليف بالرق فباطل؛ لأن السيد في الشاهد ينتفع بما يخدمه فيه عبده، والله تعالى بخلافه، والسيد في الشاهد يتضرر بفوات خدمة عبده، والله تعالى بخلافه، والسيد في الشاهد ينتقص بما يدفع في ثمن العبد الذي لا ينفعه، والله تعالى بخلافه، والسيد في الشاهد لا يمكنه أن يجعل الفعل سهلاً على عبده ولا شاقاً؛ لأنه لا يقدر على خلق القدرة التي يمكن بها الفعل، ولا يقدر على خلق الاعتقادات في قلب العبد، التي مع بعضها يسهل الفعل ويخف، ومع بعضها يصعب ويشق، بل الله تعالى هو القادر على ذلك؛ لأنا نقول: لا يحسن أيضاً استخدام العبد لمالكه إلا بعوض من الله سبحانه على ملكه، وإلا كان ظُلماً