[ذكر وجوب شكر المنعم]
  إلا أن يكون العبد كافراً فيكون رقه عقوبة له؛ فأما في الحكم فلا بد مما قلنا فلا يقاس أحد الأمرين على الآخر لولا قلة التحصيل.
  وأما قوله [أي فقيه الخارقة]: «فإن كان لأجل عوض فليس ذلك خدمة».
  فالجواب: أن المكلف فعل الواجب لوجوبه، وترك القبيح لقبحه، واستحق الثواب لأنه تعالى جعله شاقاً عليه، وليس بعوض؛ لما فرقنا بينهما من الوجوه المتقدمة، من الدوام والخلوص والوقوع على وجه التعظيم والإجلال.
  وأما قوله [أي فقيه الخارقة]: «فإن قلتم: أوجبه السمع فأثبتوا لنا ذلك، ولن تجدوه أبداً».
  فالجواب: أنا قد بينا أن وجوب ذلك يعرف بالعقل، فكفى عن سؤاله، وعلى أن في السمع ما يقتضي أن الثواب يستحق على الأعمال، وهو كثير في قوله تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ١٧}[السجدة]، (وبما كانوا يفعلون)(١)، {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ١٩}[الطور]، {كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ٤٤}[المرسلات]، {جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}[البينة: ٨]، {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ٣١}[النجم]، إلى غير ذلك.
  كما ذكر ذلك في العقاب أيضاً بقوله: {كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ ٣٦}[فاطر]، وغيرها مما يكثر عده من ذكر أن الثواب والعقاب جزاء على الأعمال.
[ذكر وجوب شكر المنعم]
  وأما قوله [أي فقيه الخارقة]: «ومن العجائب قولكم: إنه يجب الشكر على العباد؛ لأنهم عباد، قضاء لحق نعمته، ثم يجب عليه الثواب على الشكر، وهذا باطل؛ لأن المستحق إذا وفي لم يلزم به عوض، ولو جاز ذلك للزم على الثواب شكر
(١) من الآية (١٥٩) الأنعام، (٣٦) هود.