كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[نسبة من قال بالتحسين والتقبيح العقلي إلى التحكم على الله]

صفحة 127 - الجزء 3

  وبالاعتبار من كونه عبثاً⁣(⁣١)، فكيف يعد هذا المذهب مما ينقد ويعاب، ولولاهما لما خرج الفعل عن كونه قبيحاً، إما بالظلم أو بالعبث، أو بمجموعهما، لولا الجهل بمسائل الأصول، ولولا خشية الإطالة لبينا أمثلته من الشاهد عند العقلاء، وما دل على ذلك من القرآن الكريم والسنة الشريفة، وقد مر من ذلك طرف في موضعين فلا وجه لإنكاره.

  وأما قوله [أي فقيه الخارقة]: «وإذا أتى إنسان الكبائر ثم تاب، وجب على الله أن يقبل توبته، ولا يجوز أن يعاقبه».

  فالجواب: أن قبول التوبة واجب بالعقل، وورد السمع بذلك أيضاً، وقد بينا أن التوبة جارية مجرى الاعتذار من الإساءة، ولا شك أن من أساء إلى غيره ثم اعتذر اعتذاراً صادقاً؛ فإنه يقبح بعد ذلك ذمه، فلولا أن التوبة زال بها ما كان


(١) قال ¦ في التعليق: وقد يكون الألم لحط الذنوب، ونحوه في حق المكلف لنحو حديث البخاري، ومسلم، و (الموطأ) لمالك، وأحمد في (المسند)، عن عائشة مرفوعاً: «ما يصيب المسلم شوكة فما فوقها إلا رفع الله له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة»، واللفظ لمسلم، وفيه روايات كثيرة.

وروى البخاري ومسلم عن ابن مسعود: (قلت: يا رسول الله؛ إنك توعك وعكاً شديداً؟! قال: أجل إنِّي أوعك كما يوعك رجلان منكم، قلت: ذلك أن لك أجرين؟! قال: «أجل، ما من مسلم يصيبه أذىً من مرض فما سواه، إلا حط الله سيئاته كما تحط الشجرة الورق). ولمسلم نحو ذلك من حديث جابر. وللبخاري ومسلم هذا المعنى من حديث أبي سعيد، ولمالك عن يحيى بن سعيد.

وروى الترمذي حديثين؛ أحدهما: عن أنس مرفوعاً: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحبَّ قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط».

والآخر: عن جابر، ولفظه: «يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء ثوابهم لو أن جلودهم كانت في الدنيا قُرِّضت بالمقاريض».

وروى مالك والترمذي عن أبي هريرة، وأبو داود عن محمد بن خالد السلمي عن أبيه عن جده، وله صحبة، والترمذي أيضاً عن مصعب بن سعد مرفوعاً: «أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل».

وروى مالك والبخاري عن أبي هريرة: (من يرد الله به خيراً يصب منه).

وللبخاري عن أبي هريرة مرفوعاً: «ما لعبدي المؤمن عندي جزاءٌ إذا قبضت صفيه من الدنيا ثم احتسبه إلا الجنَّة» [صحيح البخاري (٥/ ٢٣٦١)] انتهى من (إفادة) الإمام محمد بن عبدالله الوزير (¦).