[كلام الفقيه في أنه لا مدخل للعقل في التحسين والتقبيح والرد عليه]
  إذا فعل الحكيم من حكمائنا شيئاً من ذلك كان سفيهاً مقبحاً، فدل على أن الحسن ما حسنه الشرع، والقبيح ما قبحه».
  فالجواب:
  أما قوله: «فقد أريناك من تصرف الله ø في عباده بما توافق عليه ولا تدفعه، ما إذا فعل الحكيم من حكمائنا شيئاً من ذلك كان سفيهاً».
  فالجواب: أنا قد أجبنا عن ذلك، وإن قبح ذلك الفعل في الشاهد لأمر يخص العباد، وأنه لا يقاس عليه فعل الله تعالى، وبينا الوجوه التي لأجلها قبح الفعل في الشاهد، وأنها منتفية عن أفعال الله سبحانه، وأن أدلة الشرع لا يصح الاحتجاج بها إلا بعد إعمال أدلة العقل؛ لأنا ما لم ننف عن الله تعالى القبيح، لم نقطع على حسن أدلة الشرع وأنها صحيحة.
  فانظر في ذلك أيها الحبر الهالك، فليس للفقيه في ذلك حجة على أن التحسين والتقبيح لا يعلمان بالعقل، على أن أسئلة الفقيه في التحسين والتقبيح مستفادة من ابن الراوندي(١) اللعين، من كتابه الذي سماه (نعت الحكمة) في اعتراضه على أهل الإسلام، وفيه خمسون سؤالاً في التحسين والتقبيح، وفي التكليف
(١) ابن الراوندي: هو أبو الحسن أحمد بن يحيى بن إسحاق الراوندي صاحب التصانيف في الحط على الملة، قال ابن الجوزي: كنت أسمع عنه بالعظائم حتى رأيت له ما لم يخطر على قلب ورأيت له كتاب (نعت الحكمة) وكتاب (قضيب الذهب) وكتاب (الزمردة) وكتاب (الدامغ) الذي نقضه عليه الجبائي ونقض عبدالرحمن بن محمد الخياط عليه كتابه (الزمردة).
قال ابن عقيل: عجبي كيف لم يقتل وقد صنف (الدامغ) يدمغ به القرآن، و (الزمردة) يزري فيه على النبوات.
قال ابن النجار: أبو الحسين بن الراوندي المتكلم من أهل مرو الرُّوذ سكن بغداد وكان معتزلياً ثم تزندق، وقيل: كان أبوه يهودياً فأسلم، فكان بعض اليهود يقول للمسلمين: لا يفسد هذا عليكم كتابكم كما أفسد أبوه علينا التوراة. واختفى ابن الراوندي عند ابن لاوي اليهودي فوضع له كتاب (الدامغ)، ثم لم يلبث أن مرض ومات إلى اللعنة، وعاش نيفاً وثمانين سنة. قال ابن النجار: مات سنة ثمان وتسعين ومائتين. انظر كتاب المنية والأمل شرح الملل والنحل (خ)، سير أعلام النبلاء (١٤/ ٥٩).