[معنى قياس الغائب على الشاهد والعكس]
  والغائب، فهلا فرق بينهما في الأمرين جميعاً، وأن الأمر كله واحد، وقال: لا تقاس حكمة الله وأفعاله على حكمة المخلوقين وأفعالهم، كما لا تقاس ذاته على ذواتهم، فلا انفصال له عن هذا أبداً، فما أجاب به في ذلك فهو جوابنا له هاهنا.
  إما أن يفرق بين الشاهد والغائب في الأمرين فهما مفترقان، ويترك كثيراً من مذهبه ويرجع إلى الحق، فإن الرجوع إلى الحق أولى من التمادي في الباطل، وإما أن يستدل على الفرق في أحد الموضعين دون الآخر، ولن يجد ذلك أبداً».
  فالجواب: أنه أكثر من قوله: «الذي قاس الشاهد على الغائب»، وظننا أول مرة أنه غلط من الكاتب، فلما استمر فيه علمنا أن الغلط من المدعي للتصنيف، ووجه الغلط أنه إنما يقاس الملتبس على المعلوم، والمعلوم هو الحاضر، فينبغي أن يقول: يقيس الغائب على الشاهد، فجعل ذلك قياساً للحاضر المعلوم على الغائب الملتبس، وعكس في ذلك القضية وإن لم يشعر، وهكذا حكم من نقل من الكتب صور المسائل، من دون معرفة معانيها.
  على أنه لو سُلم له هذا الغلط وإن كان فاحشاً، فإنا قد بينا الوجوه الرابطة بين الشاهد والغائب، وأنها أربعة: الجمع بالعلة، والجمع بما يجري مجرى العلة، والجمع بطريقة الحكم، والجمع بطريقة الأولى، وقد بينا أمثلتها من التوحيد والعدل، وبينا الطريق الفاسدة في الاستدلال بالشاهد على الغائب، وهي بمجرد الوجدان.
  وأما مسألتنا هذه التي هي إخلاف الوعيد، فإن الحكم فيها مختلف لأمر يرجع إلى حال الفاعل، فمن كان عالماً بالغيوب، فيعلم كل ما يكون كما يعلم ما كان، فإن إخلاف وعيده في حكم الكذب(١)؛ لأنه أخبر في حال وهو يعلم أنه
(١) قال ¦ في التعليق: وقد سمَّى رسول الله ÷ خلف الوعد كذباً فكذا خلف الوعيد.
قال ÷ لأم عبدالله بن عامر بن ربيعة لَمّا قالت: (يا عبدالله؛ تعالَ أعطك!، فقال ÷: وماكنت تعطينه؟ قالت: تمراً، قال: «أما إنك لو لم تفعلي كتبت عليك كذبة». رواه البخاري بإسناده عن عبدالله المذكور، ذكره ابن عبدالبَّر يوسف بن عبدالله أبو عمر في (الاستيعاب).
=