كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[دعوى الفقيه أن الوعيد بالخلود إنما يتناول من عاقبته النار والرد عليها]

صفحة 139 - الجزء 3

  بخلاف ما أخبر، وهذا هو الكذب، ومن كان لا يعلم العواقب ثم أخبر أنه يفعل فعلاً، ثم ظهر له أن الصواب خلاف ما أخبر به، أو لم يقدر على فعل ما توعد به، فإنه لا يكون بإخلافه لما توعد به كاذباً؛ لأنه لم يكن عالماً بعاقبة أمره فيما توعد به، فلم يلحقه بإخلافه لوم، بل لا يعد ذلك كذباً؛ لأن متعلق الوعيد ليس هو الفعل، وإنما هو العزم عليه وقد فعله، فيفترقان من هذا الوجه.

  وقد دخل تحت هذه الجملة أقسامه التي ذكرها، ودخل أيضاً فيها بيان الفرق بين الشاهد والغائب حيث افترقا، واجتماعهما حيث اجتمعا، ودخل في الباب الأول قياس الحكيم غائباً على الحكيم شاهداً؛ لاجتماعهما في العلة، وهي أنه لو أراد القبيح لقبح منه، وإنما قبح لكونه إرادة للقبيح، فلا يختلف الشاهد والغائب.

  وكذلك فعل القبيح أيضاً، إنما قبح للوجه الذي وقع عليه، وهو كونه كذباً أو عبثاً، فلا يختلف حاله باختلاف الفاعلين لما قدمناه.

[دعوى الفقيه أن الوعيد بالخلود إنما يتناول من عاقبته النار والرد عليها]

  وأما قوله: «على أنا قد انفصلنا من قوله بما ذكرنا أولاً، وهو أن الوعيد إنما يتناول من عاقبته النار».

  فالجواب: أنا قد بينا أن الآية عامة في كل عاص، والفاسق عاص فيدخل في العموم، وأخرجنا التائب وصاحب الصغيرة من جملته، بدلالة الآيات والإجماع، فإن وجد دليلاً يخرج به الفاسق، وإلا بقي تحت العموم، ولم يخرج بغير دلالة ولا حجة.


= وسمَّى أبو بكر خلف الوعيد كذباً؛ فقال لعكرمة في وصيته له وقد أمره: (ولا توعدنَّ على معصية بزائد على عقوبتها، فإنك إن وفيت جُرْت، وإن لم توفِ كذبت). انتهى بالمعنى، ذكره ابن أبي الحديد في (شرح النهج). بل سمَّى الله ذلك كذباً؛ حيث قال عن المنافقين: {أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا} إلى قوله: {لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ} إلى قوله: {وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ١١ لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ} ... إلخ [الحشر: ١٢].