[عودة إلى الفرق بين وعيد الله ووعيد خلقه]
  بن العلاء فقال: يا أبا عثمان إن العرب لا ترى كذباً أن يقول الرجل لعبده لأضربنك ثم لا يفعل، وقد قال شاعرهم:
  وإني وإن أوعدته .... ... ... البيت
  فقال له عمرو: يا أبا عمرو إن العرب تفعل هذه لثلاثة أوجه، كلها منتفية عن الله تعالى: أحدها: أن يقول الرجل لعبده لأضربنك، ثم يرى أنه قد فاته فضل في القول فيستدركه في الفعل، وهذا لا يجوز على الله تعالى؛ لأنه علام الغيوب.
  والثانية: أن يقول للعبد لأضربنك، ولأخلدنك في السجن، ثم يرى بعد ذلك أن يستعطفه ويستعتبه، والآخرة ليس فيها استعطاف ولا استعتاب.
  والثالثة: أن يقول للعبد لأضربنك، ثم لا يفعل ذلك لمنزلة ينالها من غيره من ثواب أو عقاب، والله تعالى لا يفعل شيئاً لمنزلة ينالها من غيره.
  ويروى من طريقة أخرى أن أبا عثمان عمرو بن عبيد قال لأبي عمرو بن العلاء: العرب تذم ما تمدح، وتمدح ما تذم، فقال بعض الشعراء:
  إِنَّ أَبَا ثابِتٍ لَمُجْتَمِعُ الرَّأ ... يِ شَرِيْفُ الآباءِ والبَيْتِ
  لا يُخْلِفُ الوَعْدَ والوَعِيْدَ ولا ... يَبِيْتُ مِنْ ثَارِهِ على فَوْت
  ولكن المعمول على قول الله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ}[الأعراف: ٤٤].
  وبه قال أبو القاسم ناجية بن محمد بن عبدالجبار التيمي، أنشدني والدي لأبي تمام الطائي: