[دعوى الفقيه العلم وبيان عاقبة السكوت عند ظهور البدع]
  لكنا نروي عنه # أنه قال: وقال قائل: إنك يا ابن أبي طالب على هذا الأمر لحريص، فقلت: (بل أنتم والله أحرص وأبعد، وأنا أخص وأقرب، وإنما طلبت حقاً لي، وأنتم تحولون بيني وبينه، وتصرفون وجهي دونه، فلما قرعته بالحجة في الملأ الحاضرين بهت، لا يدري بما يجيبني به، اللهم إني أستعديك على قريش ومن أعانهم؛ فإنهم قطعوا رحمي، وصغروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي أمراً هو لي، ثم قالوا: ألا إن في الحق أن تأخذه، وفي الحق أن تتركه)(١).
  فهذا كلامه في الأصل كما ترى، فلا تجعل جوابك من أجوبتك القاطعة إنكم تكذبون؛ فمعاذ الله أن نكذب، ويلعن الله من يستجيز الكذب، ومن أجازه على وجه من الوجوه؛ فكيف نكذب مع هذه الاعتقادات، وإنما نحن نروي ما نروي بالإسناد الصحيح، فهذا كلامه مع الشيخين الأولين.
  فأما عثمان فعنه فيه - ما رويناه بالإسناد الموثوق به إليه - أنه قال في معنى قتله: (لو أمرت به لكنت قاتلاً، أو نهيت عنه لكنت ناصراً، غير أن من نصره لا يستطيع أن يقول خذله من أنا خير منه، ومن خذله لا يستطيع أن يقول نصره من هو خير مني، وأنا جامع لكم أمره: استأثر فأساء الأَثَرة، وجزعتم فأسأتم
(١) قال ¦ في التعليق: قيل إن القائل لعلي # سعد بن أبي وقاص، وهو الأشهر. وقيل أبو عبيدة بن الجراح. وسيأتي رواية إبراهيم الثقفي لنحو هذا الكلام في آخر حاشية الجزء الرابع.
قال سعد الدين التفتازاني في (شرح المقاصد): وما وقع من الصحابة من المشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ، والمذكور على ألسنة الثقات، يدل بظاهره على أن بعضهم قد حاد عن طريق الحق، وبلغ حد الظلم والفسق، وكان الباعث الحقد والحسد واللَّدد والعناد، وطلب الملك والرياسة، والميل إلى اللذات والشهوات؛ إذ ليس كل صحابي معصوماً، ولا كل من لقي النبي ÷ بالخير موسوماً، إلا أن العلماء لحسن ظنهم بالصحابة كثَّروا لها محامل.
إلى قوله: وأما ما جرى بعدهم من الظلم على أهل البيت $ فمن الظهور بحيث لا مجال للإخفاء، ومن الشناعة بحيث لا اشتباه على الآراء، يكاد يشهد به الجماد والعجماء، وتبكي له الأرض والسماء، وتنهد منه الجبال، وتنشق منه الصخور؛ فلعنة الله على من باشر أو رضي أو سعى، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى. انتهى.