كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[انتقاد الفقيه لما لا غرض فيه والرد عليه]

صفحة 174 - الجزء 3

  هو في الظهور كالنهار، وكدجلة في الأنهار؛ ولله القائل:

  وَهَبْنِي قُلْتُ هذا الصُّبْحُ لَيْلٌ ... أَيَعْمَى الْعَالَمُونَ عِنِ الضِّياء

  ولكنه أذكرنا ذلك بقول المعري⁣(⁣١)، وقد ذكر فساد أهل الزمان، وأشار إلى مثل هذا العدوان؛ فقال:

  فَيَا عَجَباً كَمْ يَدَّعي الفضلَ نَاقصٌ ... ويا أسفا كم يُظْهِرِ النَّقْصَ كَامِلُ

  إَذَا وَصَفَ الطَّائيَّ⁣(⁣٢) بالبُخْلِ مَادرٌ⁣(⁣٣) ... وَعَيَّرَ قِسّاً⁣(⁣٤) بالفَهَاهَةِ بَاقِلُ⁣(⁣٥)

  وَطَاوَلَتِ الأرضُ السماءَ سَفَاهَةً ... وفَاخَرَت الشُّهْبَ الحصَى والجَنَادِلُ

  وقال السُّها لِلشَّمْسِ أنتِ خَفِيَّةٌ ... وقال الدُّجَا⁣(⁣٦) لِلصُّبْحِ لَوْنُكَ حَائِلُ

  فَيَا موتُ زُرْ إنَّ الحياةَ ذَمِيْمَةٌ ... ويا نفسُ جدِّي إنّ دَهْرَكِ هَازِلُ

  ولعمري لقد خاف مثل ما عاب، وقدم رسالته إلى بعض الأصحاب، بأن ينسخها بخطه، ويعيد نسخة الأصل إلى عنده، ولعلها محاذرة من هذا التتبع، ولغير ذلك من الأغراض، فبلغتنا رسالته بخط بعض الإخوان، المتمسكين بعروة الإيمان، ولعلها - وهو الحق - أبرك من سواها، ولله الحمد.


(١) المعري: هو أحمد بن عبدالله بن سليمان بن محمد التنوخي ولد في معرة النعمان ونسب إليها وكف بصره وهو في الرابعة ترك ثلاثة دواوين هي (سقط الزند – ولزوم ما لا يلزم – وضوء السقط أو الدرعيات).

(٢) الطائي: هو حاتم بن عبدالله بن سعيد بن الحشرج الطائي الجواد، كرمه مشهور يمثل به العالم والجاهل. تمت من الحور العين بتصرف.

(٣) المادر هو الذي يمدر حوضه بسلحه لشحه لئلا يسقي فيه غيره ومنه المثل (أبخل من مادر) تمت من أساس البلاغة للزمخشري. ومعنى يمدر حوضه أي يسد خلال حجارة حوضه. تمت من المعجم الوسيط.

(٤) قس: هو قس بن ساعدة الإيادي من أشهر خطباء الجاهلية عرف بالفصاحة في القول والإيجاز في التعبير.

(٥) باقل: هو اسم رجل من العرب وكان اشترى ظبياً بأحد عشر درهماً فقيل له: بكم اشتريته؟ ففتح كفيه وفرّق أصابعه وأخرج لسانه –يشير بذلك إلى أحد عشر - فانفلت الظبي، فضربوا به المثل في العي. تمت من مختار الصحاح.

(٦) السها: كوكب خفي يمتحن الناس به أبصارهم. تمت مختار الصحاح. والدجا: الظّلْمَة.