[انتقاد الفقيه لما لا غرض فيه والرد عليه]
  فأقول ومن الله العون والتسديد: قد ورد في رسالة هذا القدري، ولا اتباع هوى بالألف، فأنكرت ذلك عليه، وقلت كتابته بالياء لأنه مقصور، وضده الهواء المنخرق بين السماء والأرض، فهو ممدود فيكتب بالألف، فأجمل هذا الرجل الكلام في جوابه، مخافة أن يميز بين خطأ إمامه وصوابه.
  أما ما ذكر أن أصل الكتابة بالألف في الجميع، وإنما المنقود أن يكتب ما هو بالألف بالياء؛ فلست أنكر ذلك، إلا أن الكتَّاب إذا خافوا لبساً بين مشتبهين فرقوا بينهما، فمن ذلك زيادتهم الواو في عمرو، فرقاً بينه وبين عمر، وزيادتهم الواو في أولئك، فرقاً بينها وبين إليك، وغير ذلك مما لا يخفى، وإن كانوا قد فرقوا بهذه الزيادة، مع أن الإعراب كاف، ومع افتراق الإسمين أيضاً، وكون أحدهما مصروفاً والآخر غير مصروف، فكيف لا يقع الفرق بين لفظتين هما في الصورة سواء، ولكل واحدة معنى، ولا يفرق(١) بينهما من جهة الإعراب؟ فهذا أحوج إلى الفرق من غيره».
  فالجواب: أنا قد أفردنا فصلاً لما انتقده، لولا قلة التحصيل، ومحبة التهويل، وعلى أنا قد بينا له جوازه، وحققنا من فن الأدب إعوازه(٢)، فقد نقد غير منقود، وأخطأ في كثير مما أصلحه.
  ثم قال: «وأما قوله [أي محيي الدين]: وإنما المنقود أن يكتب ما هو بالألف بالياء، فلقد(٣) دخل لتوفيقه فيما أنكره، وكتب في آخر رسالته البراء بن عازب - وهو ممدود - بياء في عدة مواضع؛ فانظر أينا الذي حرم التوفيق، الذي سلك الصواب، أو الذي أخطأ وتقحم في الجواب، غير أن الذي غلب على ظني، أنه
(١) كيف لا يفرق بينهما من جهة الإعراب، وهو في الممدود لفظي، وفي المقصور تقديري، كأن الفقيه لم يقرأ في كتب المبتدئين. انتهى من التخريج.
(٢) أعوز الشيء فلاناً: قلّ عنده مع احتياجه إليه. تمت المعجم الوسيط.
(٣) بداية كلام فقيه الخارقة.