كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[مذاهب الفقيه في خلق الأفعال]

صفحة 195 - الجزء 3

[مذاهب الفقيه في خلق الأفعال]

  وأما قوله [أي فقيه الخارقة]: «ولا خلق الأفعال؛ فإن كان خالقها الله فهو اتفاق، وإن كان لخلقه فقد دللنا على بطلان قول من ذهب إلى هذا».

  فالجواب: أنا قد بينا الدلالة على أنه تعالى لا يخلق أفعال العباد، وتكلمنا في ذلك كلاماً يشفي العليل، ويردع الجهول، وكذلك فإنا قد بينا أن العبد هو المحدث لفعله دون الله سبحانه، بما لا طائل في إعادته.

  وبينا أن الفقيه تنقل في هذه المسألة إلى مذاهب متباينة؛ فتارة يقول: إنها من الله سبحانه، ويدعي أنه من خالف في ذلك التحق بالمجوس، وتارة يقول: إنها من العبد اختياراً، ويدعي مخالفة جهم في أن الله تعالى خلقها فيهم كألوانهم وغيرها، وتارة يضيف المبتدأ إلى الله خلقاً، وإلى العبد كسباً، ويضيف المتولد إلى الله سبحانه من كل وجه، وتارة يقول: إن مذهب من جعلها فعلاً لله تعالى باطل، ومن جعلها فعلاً للعبد باطل، وتارة يقول: إنه يجمع بين هذين المذهبين فيتخذه مذهباً، وتارة يقول: هو يأخذ بالوسط بين المذهبين، ولا وسط للشفع من الأقوال وغيرها، وتارة يقول: تحيرت الأذهان عن معرفة حقيقة هذه المسألة.

[بحث في الرؤية]

  قال [أي فقيه الخارقة]: «وأما الرؤية لله ø في الدار الآخرة من غير إحاطة، ولا تمثيل ولا تشبيه ولا تكييف، فمن رد ذلك فقد رد كتاب الله، وسنة رسول الله ÷».

  والجواب: أن قوله في الرؤية لله ø في الدار الآخرة، يُوجب عليه جواز رؤيته سبحانه في الدنيا؛ لأنه سبحانه لا يتجدد له صفة يُرى عليها، بل حاصل على صفاته أجمع في الدنيا والآخرة، فلو جازت رؤيته في الآخرة لجازت رؤيته في الدنيا؛ إذ كان تعالى حاصلاً على الصفة، التي لو رؤي لما رؤي إلا لكونه عليها، وهي صفاته الواجبة، والواحد منا حاصل على الصفة التي لو رآه