[طريقة التحابط بين الحسنات والمعاصي]
  فعلمنا بذلك أن حسناته قد انحبط ثوابها، في جنب هذه المعصية الكبيرة عقابها؛ إذ لو لم ينحبط لكان مستحقاً للثواب والعقاب جميعاً، ومستحقاً للاستخفاف والإهانة والإجلال والتبجيل والتعظيم جميعاً، وذلك لا يصح، ولا يقول به عاقل.
  وإنما قلنا: إنه يستحق الحد نكالاً وعقوبة لقوله سبحانه في آية الحد: {نَكَالًا مِنَ اللَّهِ}[المائدة: ٣٨]، فأوجب سبحانه إنزال الحد على سبيل النكال، وهذا بخلاف حد التائب، فإنه إنما يحد على وجه الامتحان، كما ينزل سائر الأمراض والآلام امتحاناً، وله في ذلك عوض يُوفَّى عليه أضعافاً مضاعفة، ولغيره مصلحة واعتبار في أمر الدين، وله على صبره على الآلام ثواب عند الله ø عظيم، ولا يثبت شيء من ذلك في حق المصر.
  وأما قوله [أي محيي الدين]: بلا خلاف؛ فالمراد(١) أنه لا خلاف أن الحد يفعل بالمصر على وجه النكال والاستخفاف والإهانة بظاهر نص القرآن الكريم، مع أنه لو حمل قوله: بلا خلاف، أنه لا يجتمع له الثواب والعقاب معاً لتنافيهما وتنافي حكميهما، وأن المكلف الواحد لا يكون من أهل الجنة والنار معاً - لصح ذلك؛ فبطل تهويله وتطويله لغير وجه يوجب ذلك.
[طريقة التحابط بين الحسنات والمعاصي]
  وأما معارضته [أي فقيه الخارقة] بزعمه أنه ليس بأن يقال: «إن السيئة تحبط الحسنة أولى من الحسنة تحبط السيئة».
  فالجواب: أنا نقول بجميع ذلك، ولكن لم يفهم آخر كلامنا؛ لأنا نريد أن الأقل ينحبط في جنب الأكثر، سواء كان المحبِط أو المحبَط حسنة يستحق بها ثواباً، أو سيئة يستحق بها عقاباً.
  وكذلك قوله [أي فقيه الخارقة]: «ومن قال: صاحب الكبيرة يخلد في النار،
(١) بداية تفسير الإمام # لكلمة الشيخ محيي الدين (بلا خلاف).