[طريقة التحابط بين الحسنات والمعاصي]
  بشرط تخفيف العذاب، يعارضه قول من قال: بأنه يخلد في الجنة، بشرط حطه عن درجة المطيعين».
  فالجواب: أن الفقيه لو عرف المراد بالتحابط لم يعترض بما قاله، وذلك أن المراد أن الأكثر يحبط الأقل، ويبقى لصاحبه ما يدخل به إما الجنة أو النار، وتفصيل ذلك: أنا لو قدرنا أن مكلفاً فعل من الحسنات ما يستحق به في كل وقت ألف جزء من الثواب إلى ما لا آخر له، ثم فعل من المعاصي ما يستحق به من العقاب في كل وقت ألفي جزء إلى ما لا آخر له، تساقط الألف من الثواب والألف من العقاب على سبيل الاستمرار في كل وقت؛ ثم بقي مستحقاً لألف جزء من العقاب في كل وقت إلى ما لا آخر له.
  وهكذا لو فرضت عكسه، بأن يفعل العبد من المعصية ما يستحق به ألف جزء من العقاب في كل وقت على جهة الاستمرار، وله من الثواب على طاعاته ما يستحق في كل وقت ألفي جزء لكان ينحبط الألف المستحقة في كل وقت من العقاب بمثلها من الثواب ويدخل الجنة مستحقاً لألف جزء من الثواب، معراه عما يحبطها، وإنما قلنا: إنه يستحق في كل وقت مقداراً معلوماً؛ لأنه لا يستحق في وقت واحد ما لا نهاية له لوجهين:
  أحدهما: أنه يوجب أن لا يتزايد ثواب المثابين، ولا عقاب المعاقبين، ويوجب(١) أن لا ينحبط ثواب بعقاب، ولا عقاب بثواب، ويوجب أن لا يصل أحد إلى ما يستحقه أصلاً من ثواب أو عقاب، وإنما قلنا ذلك لأن ما لا نهاية له لا يكون أكثر مما لا نهاية له، لو دخلهما الكثرة والتقليل في وقت واحد لصارا متناهيين، وقلنا: لا ينحبط أحدهما بالآخر لأن الانحباط إنما يتصور فيما يكون أحدهما أكثر من الآخر، فلا مخلص من هذا إلا ما ذكرنا من أن المكلف يستحق
(١) لعل من كلمة (يوجب) بداية الوجه الثاني، والله أعلم.