[من استحق اللعن لا يستحق الدخول في الرحمة]
  السمع قد قطع على عقاب الكافر، وسواء كان وقت كفره طويلاً أو قصيراً، وسواء فعل الكفر مع كونه كفراً قليلاً أو كثيراً؛ فلا يحتاج إلى سؤال ولا جواب؛ لأن القطع على إيصال العقاب إلى مستحقه سواء كان كافراً أو فاسقاً لا يعلم عقلاً، بل كان العقل يجوّز العفو عنهما(١)، كما يجوّز إيصال المستحق من العقاب إليهما، لكن السمع قطع بأحد الجائزين، وهو إيصال المستحق من العقاب، ومنع من الجائز الآخر بالعقل وهو الإسقاط، فلم يبق للعقل مجال في ثبوت عقاب ولا إسقاطه، وإنما يقع الكلام من هذه المسألة في كيفية التحابط بين ثواب الحسنات، وعقاب السيئات، وهو ما قدمناه.
  وسائر ما ذكره من أنه يعذب مدة ويصير إلى الجنة أولى من أن يصير إلى الجنة مدة ثم يعذب في النار، وترجيحه للخروج إلى الجنة بالعفو، وما جانس ذلك - هذيان منه؛ لأن الثواب إذا كان لا نهاية له وكذلك العقاب؛ كيف يعذب أو يثاب مدة منقطعة، ثم يرجع إلى النوع الآخر؟ ولو كان كذلك لكان الثواب أو العقاب متناهياً من قبل آخره، وهذا أمر لم يقل به عاقل، ولا دل عليه دليل عقلي ولا سمعي؛ فالصحيح اعتبار ما قدمناه،
  وما عليّ إذا لم تفهم البقرُ
[من استحق اللعن لا يستحق الدخول في الرحمة]
  ثم قال: «وقول القدري: وكذلك من ألحقه الله سبحانه الذم واللعن والاستخفاف، فلسنا(٢) نسلم هذا إلا في الكافر، وقد استدللنا على بطلان قول من ذهب إلى أن الكبيرة تحبط الأعمال الصالحة من الموحدين».
  والجواب: أنا قد دللنا من قبل على استحقاق الفساق للعقاب، وحققنا
(١) قال ¦ في التعليق: هذا مع قطع النظر عن كونه يؤدي إلى الإغراء، وأما معه فإن العقل يمنع من تجويز العفو، مع أن كون العقاب حق لله سبحانه، إنما هو لأمر يرجع إلى المكلف، وهو أن الغرض بالوعيد زجر المكلفين فلا بد منه ومن حصول ما توعد به؛ لامتناع الكذب على الله تعالى. والله أعلم.
(٢) بداية كلام فقيه الخارقة.