كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الإجماع على أن من استحق الحد على سبيل الخزي والنكال استحق العقاب]

صفحة 239 - الجزء 3

  والعظائم، ولو كان الكل فعل الله تعالى لما حسن النهي عنها.

  وأما قوله [أي فقيه الخارقة]: «وقد قال تعالى فيما وبخ به الكفار وعجزهم، وأنه يخلق وهم لا يقدرون على خلق شيء: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}⁣[لقمان: ١١]».

  فالجواب: أن هذا مثل ما تقدم، من أنه تحدى من يعبد سواه بأنه لا يخلق شيئاً، وأن ما يقدر عليه تعالى لا يتمكن صنم ولا قادر من العباد على جنسه؛ للوجه الذي ذكرناه في الآية الأولى سواء.

  وأما قوله [أي فقيه الخارقة]: «وشهد النبي ÷ بأنهم مجوس هذه الأمة، والمجوس كفار مخلدون في النار».

  فالجواب: أنا قد بينا أن القدرية مجوس هذه الأمة الذين حملوا ذنوبهم على الله، ودللنا عليه بالأخبار الظاهرة، وبينا وجه دلالتها، بما لا يستطيع أحد منهم دفعه إلا بالمكابرة والعناد.

  مناقشة الإمام # لفقيه الخارقة في مسألة الإمامة ومسائل أخرى

[الإجماع على أن من استحق الحدَّ على سبيل الخزي والنكال استحق العقاب]

  ثم قال: «وأما قوله [أي محيي الدين]: وكذا ما انعقد عليه إجماع الأمة أو العترة؛ قال [أي فقيه الخارقة]: فأقول: لا مدخل للإجماع هاهنا، وكيف يتصور إجماع الأمة بأن الله قد أحبط طاعة فلان، أو بأنه يخلده في النار، هذا مما لا سبيل لأحد من الأمة إليه، دون الأنبياء، المؤيدين بالوحي من الله تعالى بأسرار العباد⁣(⁣١)، فما


(١) قال ¦ في التعليق: أقول: وما المانع من صحة الإجماع على الإحباط، وكذا على الخلود؟ لأنه يعلم أن لأهل الإجماع مستنداً من الكتاب أو السُّنة، وكيف ومعظم الدليل على خلود الكفار هو إجماع الأمَّة؟! وأمَّا نصوص القرآن فممكن تأويلها على مذهب الفقيه كما تأولها في الفاسق، أو تقييدها بآيات الرحمة والمغفرة كـ {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}⁣[الزمر: ٥٣]، أو بالمشيئة كما في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ..} إلى قوله: [{لِمَنْ يَشَاءُ}] [النساء: ٤٨]، فإنه لا مانع من جعل المشيئة قيداً لعدم مغفرة الشرك ولمغفرة ما دون ذلك، فالإجماع إنما يمتنع هنا على قول يونس بن عمران إنهم مفوضون، مع أنه يحمل قوله على ما كان المطلوب العمل من الأحكام فقط، إذ لا معنى لأن يفوضوا في الإخبار، فتأمل.