[النص على إمامة أمير المؤمنين (ع) لا خلاف فيه وإنما الخلاف في وجه دلالته]
  فالكلام(١) أن النص معلوم لجميع الصحابة من المهاجرين والأنصار وغيرهم، ممن حضر المشهد من الأعراب، وقد رواه الطبري من خمس وسبعين طريقاً، ورواه عن العشرة جميعاً، وأفرد له كتاباً سماه كتاب الولاية، وإنما جهل من جهل وجه الاستدلال.
  ونحن نقول: هو نص استدلالي(٢)، ولهذا وقع فيه النزاع، فأما نفس الخبر فلا
(١) بداية جواب الشيخ محيي الدين ¥.
(٢) قال ¦ في التعليق: قد تقدم إشارة إلى أن الحكم بأنهم جهلوا يعود على أصلنا بالنقض؛ كيف وهم المشافهون، وما سمعوه من النبي ÷ فهو ضروري في حقهم؟ وكيف نعلم إمامة علي بالأدلة ونجوز جهل الصحابة بمدلولها؟! إن هذا ذريعة لمن مال عن العترة إلى القدح في الأدلة.
ولذا لا يزال فقيه الخارقة ومن ماثله يقولون: كيف يخفى على الصحابة وهم وهم؟
ثم إن جوز غفلتهم عن الدلالة فكيف لا يبيِّن لهم الباقون وقد توعد الله على الكتمان وأمر بالتبليغ.
على أنه قد روي عنهم الإقرار بأن بني هاشم أحق بالإمرة، قال عمر: (أول من زلكم عن الأمر أبو بكر) مخاطباً لابن عباس. وقال له: ما أرى صاحبك إلا مظلوماً. وقال له: أما والله إن صاحبك لأولى الناس بعد رسول الله ÷. ووصف عمر علياً فقال له قائل: فما يمنعكم منه؟، قال: لحداثة سنِّه وحُبِّه بني عبدالمطلب.
وسيأتي ذكر طرق هذه الأخبار، وكذا محاورة ابن عباس من قوله: أتدري لِمَ منعكم قومكم عن هذا الأمر؟ وجواب ابن عباس وتقريره بعلم عمر مَن الحق له. وسيأتي.
فلو جوز جهلهم بالأدلة ودلالتها لم يكن ثَمَّ وجه للتوقف في حقهم، بل يجب الولاء لهم على أصل الإيمان في الظاهر، فالأولى أن نقول: قد علموا وظلموا، لكن من لم يظهر له وجه كبر معصيتهم توقف، ومن علم ذلك فلا حرج، ولا يلزم من ذلك الحكم بنفاقهم أو كفرهم كفراً يخرجهم عن الملَّة. وقول الإمام محتمل للتأويل، ففي حق المتأخر عن مشاهدة الوحي لا جرم أنه يطرؤ الشك لمن لم يوف النظر حقه، وأمَّا المشاهد فإنه يبعد عنه ذلك مع معرفته لمدلول الخطاب بسليقته من دون تعلم في المقدمات من علوم الآلة، وشواهد الحال، والسياق، والقرائن، تفيد المشاهد لها ما لا تفيد من بلغته الأخبار.
والعجب من قوله: «وتضايقت الحال، فوقع التقصير في النظر» وكأنَّ الأدلة لم تنزل إلا في تلك الأوقات المتضايقة؛ أليس حديث المنزلة في تبوك وقبله، وكذا حديث الغدير، أليس قد تقدم؛ بل كل الأدلة من أول بعثة محمد ÷ إلى موته تتواتر شيئاً فشيئاً؟، أَنُقدِّر أنهم لم يعرفوا وجه دلالتها؟!، أو نقدر أنه لا يفيد شيءٌ منها إلا عند الحاجة وذلك بعد الموت، فنقول: لكن ضاق الوقت فلم يمكن النظر منهم ولا التعريف من غيرهم؟!، هذا لا يصح، وهذا التنبيه لما في الكلام هنا من الإيهام المخل وإن كان لا =