[الفقيه يرى السب قصاصا وما خالف علمه كذبا]
  فنحن نرميهم في هذا ونرميك عن قوس واحدة؛ فقد أخذنا الدين عن آبائنا تلقيناً، كما تلقن الصفوة(١) أولادهم في حال الصغر، فلما بلغنا حد النظر؛ اعتمدنا الدليل، فوجدنا قولهم أقوى الأقوال؛ لأن التقليد ذمه الله تعالى وحكاه عن الكافرين، فقال: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ٢٣}[الزخرف]، ورد عليهم تعالى بقوله: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ٢٤}[الزخرف].
  وذمه رسوله ÷ بقوله، فيما رويناه بالإسناد الموثوق به: «من أخذ دينه عن التفكر في آلاء الله وعن التدبر لكتابه والتفهم لسنتي، زالت الرواسي ولم يَزُل، ومن أخذ دينه عن أفواه الرجال وقلدهم فيه، ذهب به الرجال من يمين إلى شمال، وكان من دين الله على أعظم زوال».
  وأما الجاحظ والنظام، والإسكاف والشحام؛ فهم من علماء المعتزلة، الذين يرون رأي الفقيه في إمامة المشائخ، وأن علياً # في المنزلة الرابعة، فكيف نقلدهم في هذه المسألة أو غيرها؟ لولا الجهل بمذاهب الرجال، والمحبة للقيل والقال، وقلة التمييز بين الصحيح والمحال.
[الفقيه يرى السب قصاصاً وما خالف علمه كذباً]
  ثم قال: «وقوله: من دق في الدين نظره جل يوم القيامة خطره - فليس النقل على ما ذكر، إنما هو: من دق في العلم نظره؛ لكن هذا الرجل وفرقته مولعون بتحريف الروايات التي استدلوا بها على ما ارتكبوا من الجهالات».
  فالجواب: أنا نروي الخبر على ما حكينا، والفقيه كثير الاعتماد على تصحيح ما عنده، والقطع على أن ما خالف علمه الواسع وروايته التي لا يرى وراءها رواية، فهو عنده غير صحيح، مع أن المعنى لم يختلف في اللفظين؛ لأن الدين يشمل العلم والعمل.
(١) الصفوة من الشيء: خياره وخالصه. تمت (المعجم الوسيط).