كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[بحث حول حديث الشفاعة]

صفحة 316 - الجزء 3

  يكون للظالمين شفيع يطاع في شفاعته، والظالم اسم يعم الكافر والفاسق؛ إذ لا خلاف بين المسلمين أن قاتل النفس المؤمنة عمداً بغير حق يسمى ظالماً، وكذلك آكل مال اليتيم بغير حق، ومغتصب أموال المسلمين، ومن جرى هذا المجرى.

  فلو شفع النبي ÷ لأحد منهم لأدى إلى أحد باطلين: إما أن يطاع في شفاعته فيكون ذلك خلاف ما تضمنه صريح الآية، وهو باطل.

  وإما أن لا يطاع فترد شفاعته عليه، وذلك باطل بالإجماع، على أن شفاعته ÷ مقبولة في ذلك اليوم؛ ولما فيه من إسقاط منزلته، وإخلاف ما وُعِدَ به من بعثة المقام المحمود، ولا مُخَلِّص من هذين الباطلين إلا القول بأنه لا يشفع لأحد من الفساق، كما أنه لا يشفع للكفار.

  وكذلك قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ}⁣[البقرة: ١٢٣]، وقوله: {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ ١٩}⁣[الزمر]، وأمثال ذلك مما يدل على أنه لا نافع لمن استحق النار، ولا منقذ له منها.

  والفصل الثالث: وهو ما ورد للمخالف من الأخبار، وأقواها ما رواه عن النبي ÷ أنه قال: «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي».

  والجواب: أن في هذا الخبر كلاماً؛ فإنه قد روي عن الحسن البصري أنه قال: «ليست شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» فحذف بعض الرواة حرف النفي، وقد يمكن أن يكون ذلك سقط من بعض النسخ.

  ثم لو صح الخبر فهو من أخبار الآحاد التي غاية ما تفيده غالب الظن، وهذه المسألة مما لا يجوز الأخذ فيها إلا بالأدلة القاطعة؛ لأنها مما يرجع إلى الاعتقادات، وبيان أحوال القيامة وما يجري فيها، وذلك مما لا يجوز الأخذ فيه إلا بالعلم اليقين.

  على أن هذا لو سلم من مخالفة آيات القرآن الكريم؛ فكيف وقد ظهر خلافه