[هل يدل تمكن أبي بكر من الخطبة بعد وفاة النبي ÷ على شدة بأسه؟]
  فأقول وبالله التوفيق: لقد ابتلي هذا الرجل مع قلة علمه، وعدم معرفته؛ بعدم الإنصاف، وقلة الخوف لله ø، فصار يتكلم بما حضر عنده، ولا يفرق بين المدلول عليه والدليل، والإنصاف بين الصحيح والعليل.
  قد عرفناه أن النبي ÷ لما مات؛ داخل الصحابة أمر أذهل عقولهم، حتى ذهب عمر إلى أنه لم يمت، وأقعد علي فلم يطق القيام، وخرس عثمان فلم يستطع الكلام، فلما جاء أبو بكر وكان غائباً؛ دخل على النبي ÷، وكشف عن وجهه، وقبّله، وقال: طبت حياً وميتاً، أما الموتة التي كتبها الله عليك فقد ذقتها.
  ثم خرج وأنفاسه تتصعد، والنيران لفقد النبي ÷ في قلبه تتوقد، والدموع من عينيه تنهمل وتتردد، فوجد عمر بن الخطاب على المنبر، يذكر أن النبي ÷ لم يمت، فخطب الخطبة المشهورة، فرجع الناس إلى قوله، وصدقوا بموت النبي ÷، واعتذر عمر عن مقالته.
  وعلي # قعد على حالته، ولم يكن في ذلك الوقت للنبي ÷ تجهيز، إنما وقع التجهيز بعد، والعجب أنا قلنا: لم يصدق بموته بعد، قال [أي محيي الدين]: بنو هاشم مشغولون بتجهيزه:
  لَقَدْ أَسْمَعْتَ لو نَادِيْتَ حَيّاً ... ولكنْ لا حَيَاةَ لِمَنْ تُنَادِي»
  فالجواب: أنه لم يتخلص مما ذكر له في الجواب من أن القيام بالخطبة كان لميل الناس إلى أبي بكر، وقبول كثير منهم عنه، فعدل إلى حكاية حال الصحابة، وما أصابهم من عظم الأمر بوفاة رسول الله ÷، وحكايته عنهم مما لا يؤمن كونه أعظم ما دهاهم، وإن كان لم يذكر له طريقاً في روايته.
  وحكاية حال أبي بكر، وصبره في تلك الحال عن الجزع، وجميع ذلك لا يتعلق بفضل كثير؛ فكيف بالتأهل للإمامة؟ ولقد كانت الحاجة إلى رباطة جأش أبي بكر يوم ردت راية رسول الله ÷ مهزومة، بل يوم أقحم على الناس