كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[دعوى الفقيه أنه لا دخل للعقل في تحسين شيء ولا تقبيحه، والرد عليها]

صفحة 554 - الجزء 3

  كان من أهل النظر، وقد بينا أيضاً أنه لا يعرف صحة السمع، وصحة الاحتجاج به إلا بعد معرفة العقليات، وفصلنا ذلك تفصيلاً مغنياً لمن نظر فيه بعين الإنصاف.

  ثم قال [أي محيي الدين]: «قوله: فعل الله ø لا فاعل له غيره - فهذا⁣(⁣١) مذهب الجبرية ولسنا نعتقده، ولا نقول به، ولم يجد هذا الرجل في أكثر ما استدل به طريقاً للاحتجاج إلا إلزامنا مذهب غيرنا، لجهله مذهبنا، وقصور فهمه عن معرفة طريقتنا».

  والجواب: أنه اعتمد عند إلزامنا لما لم يجد منه مدفعاً على إنكار مذهبه، والتبري منه، وإضافته إلى سواه، فإذا بَعُدَ العهد بالإلزام، ودخل في كلام آخر؛ أظهر القول بالجبر، وأن الله تعالى خالق لأفعال العباد، وأن من أنكر ذلك التحق بالمجوس، وقد اضطربت أقواله، وكثرت مذاهبه في هذه المسألة.

  وقد حكينا عنه مما أورده في رسالته هذه أقوالاً عشرة متدافعة، لا يقول بشيء منها عاقل مَلَّك عقله الحكم على هواه، فكيف بمن قال: إنها مذهبه ورأيه مع تناقضها، وقد جمعناها مراراً، ولا فائدة في تكثير تكريرها، لأن ذكرها مرة يسئم ويضجر سامعه، لأنها متدافعة، وغير معقولة، فكيف بتكريرها على أسماع العقلاء.


= فإذا قيل: كيف يكون خبره بأنه لا يكذب صدقاً يوثق به، وهو متوقف على القطع بأنه لا يكذب وهل هذا إلا الدور؛ لأنه قد توقف التصديق بأنه لا يكذب على التصديق بأنه لا يكذب.

فعند ذلك يُفحم الموحد والمنزه لله عن الكذب، ولا يجد له جواباً إلا العدول إلى أن الكذب قبيح بضرورة العقل، والله تعالى عالم بأنه غني عن فعل القبيح فلا يقع منه، إذ من كان بهذه الصفة في الشاهد يمتنع منه فعل القبيح مع قصور علمه وكونه مضنة الحاجة، فكيف في حق من هو عالم لذاته لايخفى عليه شئ ولا يحتاج إلى شيء.

فبهذا يتبين أن النافي لإدراك العقل للحسن والقبح يلزمه ألا يكون العقل دليلاً على شيء، وأنه ليس بحجة فتأمل. تمت كاتبها غفر الله له.

(١) بداية كلام فقيه الخارقة.