[دعوى الفقيه أنه لا دخل للعقل في تحسين شيء ولا تقبيحه، والرد عليها]
  فأقول(١): أما ما ذكر من التقبيح والتحسين، فقد استدللنا على أنه لا مدخل للعقل في تحسين شيء ولا تقبيحه، واحتججنا عليه باحتجاجات، وألزمناه ما يلزمه على مذهبه من أن التحسين والتقبيح بالعقل من الضلالات والجهالات، وما تؤدي إليه هذه الاعتقادات من التشبيه، وأنه قد أخطأ في هذه طريق التحقيق، وعدل إلى طريق التمويه».
  فالجواب: أنا قد أجبناه عن تمويهاته التي استعان منها بتمويهات ابن الراوندي اللعين، وأمثاله من الملحدين، وبئس المذهب الذي لا ينصر إلا بالإلحاد، وبينا عواره، والذي يخص الفقيه من ذلك ما قدمنا من أنه استدل في ذلك بالعقل، وهو في ذلك مناقض؛ لأن العقل إن كان حجة له فيما استدل به من الأمثلة؛ فقد أبطل مذهبه: أن العقل لا يعرف به حسن شيء ولا قبحه؛ لأن الحق حسن، والباطل قبيح بلا خلاف؛ فلا تصح دلالته حتى يبطل مذهبه المستدل عليه.
  وإن صحّ مذهبه، وأن العقل ليس بحجة؛ بطل استدلاله بالأمور العقلية، والأمثلة التي أوردها، فصار مذهبه ودليله يتلاغيان(٢)، فلينظر فيما ذكرنا إن
(١) القائل فقيه الخارقة.
(٢) قال ¦ في التعليق: وبهذا يعرف - حيث قيل فيما مرّ على الفقيه إذا كان العقل ليس بحجة الخ، فنبه عليه في الحاشية من أن الأشاعرة لا يمنعون من كون العقل دليلاً إلا على الحسن والقبح - أن المراد بكون العقل ليس دليلاً عند الفقيه على جهة الإلزام، لا أنه صرح به.
ووجهه أنه لو لم يدرك به حسن ولا قبح لما امكن الإستدلال به على أمر من الأمور إذ لو أردنا أن نحتج على من يثبت الشريك لله تعالى، وعلى من يجوز على الله الكذب - تعالى الله عنه - ونصبنا دليلاً عقلياً على التوحيد، وأقمنا دليلاً على أنه ممتنع عليه الكذب، وبينا أنه الحق، وأن التعدد وتجويز الكذب باطل.
فلو قيل: وما المانع من اتباع الباطل وإعتقاده من الشرك؟ فلا يكون جوابه إلا أن العقل يمنع من ذلك؛ لأنه قد توعد على إتباع الباطل بالعذاب، ودفع الضرر واجب بضرورة العقل.
فإذا قيل: وما المانع من كون الوعيد كذباً، وأن يكون المتوعد كاذباً.
قيل: قد أخبر المتوعد بأنه لا يكذب.
=