[ثلب الفقيه لمذهب العدلية بشتى المثالب والرد عليه]
  وإن أرادها اختياراً فذلك ليس بعزلٍ له، كما لا يوصف المسلمون بأن اليهود عزلوهم عن إرادة إسلامهم، وترك مغداهم إلى كنائسهم، لما كانت إرادة الاختيار يصح معها بقاء التكليف.
  وأما قوله [أي فقيه الخارقة]: «وأعظم من ذلك - جهلك وتحكمك على خصمك - ما حكمت على رب الأرباب، وقد أوجبت عليه بالطاعة الثواب، وبالعزم على المعصية العقاب».
  فالجواب: أن هذا كذب، فإن مخلوقاً لا يوجب على خالقه شيئاً، وإنما قلنا: وجب ذلك بالعقل الذي ركبه الله تعالى في عباده، أن الله تعالى يفعله لعدله وحكمته، وبما ورد في كتابه الكريم من قوله: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ١٢٣}[النساء]، ومن قوله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ٧ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ٨}[الزلزلة]، وقوله تعالى: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ٣١}[النجم]، وقوله تعالى: {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ٤٩}[الكهف]، إلى غير ذلك مما لا يحصر هاهنا، فما على من قضى بالوجوب ما قضى به رب الأرباب على نفسه.
  وأما قوله [أي فقيه الخارقة]: «إنه يدخل النار من شئت لا من شاء، وكذا الجنة».
  فالجواب: أن هذا كذب؛ بل يدخل الجنة سبحانه من شاء من المطيعين ثواباً، ومن المؤلمين عوضاً، ومن سواهم من الحور وغيرهم تفضلاً، وأما النار فلا
= بالقرائن فكيف تكون مميزة للأمر عن غيره، تمت] عن صيغة التهديد ونحوه إلا بالإرادة ولقوله تعالى {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ... إلخ}[النساء: ٢٦]، وقوله: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ... الخ}[البقرة: ١٨٥]، فلو أراد ذلك قهراً ومن المعلوم عدم وقوع الطاعات من اكثر العباد لكان في ذلك عزله عن مشيئته وإرادته إذ لم يحصل مراده والفرض أنه أراد وقوعه لا محالة.
وأما على القول بأنه أراد الطاعات من العباد على سبيل الإختيار فلا يلزم منه ذلك.