كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[هذا البيت للحطيئة]

صفحة 652 - الجزء 3

  غلبة الجهل: فلغفلته عما ذكر فيها في كتاب الله ø، وعما ورد فيها من الأحاديث المصرحة عن النبي ÷، وتلقتها الأمة بالقبول، ولم تزل قائلة بهذا غير دافعة له.

  وأما قلة العقل: فلأن العقل ليس قاضياً باستحالتها، ولا مانعاً من جوازها، بل هي مستحسنة عقلاً، فإن الملك إذا كان له صفي حظي، رضي عنده، وشفع عنده في بعض من أساء أدبه بين يدي الملك، فحسن أن يُشَفِّعَهُ.

  وسنستدل على ما ذكرنا من الشفاعة من جهة العقل والنقل، فنقول: أما طريق السمع فالآيات والأحاديث كثيرة، لكنا نذكر شيئاً على وجه الاختصار حسب ما يليق بهذه الرسالة؛ فنقول: قال الله تعالى حاكياً عن الكفار: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ ١٠٠ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ١٠١ فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ١٠٢}⁣[الشعراء]، ووجه الدليل من هذه الآية: أن الكفار يتحسرون ويتندمون على الإيمان الذي يمنعهم تركه أن يكونوا من أهل الشفاعة، فيقولوا: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ ١٠٠ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ١٠١ فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ١٠٢}⁣[الشعراء]، وهي الحالة التي قال الله سبحانه: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ٢}⁣[الحجر]، ولو كان الكافر والمذنب المسلم جميعاً لا يستحقان الشفاعة، ولا يحصل لواحد من الفريقين؛ لما كان لتحسر الكفار على ذلك فائدة ولا وجه، فلما خصص الله تعالى الكفار بهذه الحسرة دل ذلك على أن الموحدين بخلافهم، ولهذا لما قال في صفة الكفار: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ١٥}⁣[المطففين] دل ذلك على أن المؤمنين غير محجوبين، وغير هذه الآية من القرآن كثير».

  فالجواب: أنه ادعى أننا ننكر الشفاعة على الإطلاق وهو كذب، فإنها ثابتة للمؤمنين كما قدمنا.

  وأما قوله [أي فقيه الخارقة]: «وأَنها إخراج قوم من الموحدين من النار بشفاعته،