[استدلال الفقيه في إثبات الشفاعة لأهل الكبائر من السنة]
  فيقولون: يا محمد لا صبر لنا على تعيير أهل الجنة، فاشفع إلى الله فيمحو ذلك من جباههم، وإن آخر من يخرج من النار رجل يقال له هناد، ينادي في النار ألف عام: يا حنان يا منان، وإنه آخر من يدخل الجنة.
  والأخبار في الشفاعة أكثر من أن تحصى، وهي كلها متفقة على هذا المعنى، من إثبات الشفاعة للنبي ÷، وإخراج قوم من النار بعد دخولهم فيها، ظاهرة متواترة في صدر الأمة، وقد أطبق السلف وعامة الخلف على تسليمها.
  وهذه الأخبار وإن كانت ألفاظها ألفاظ الآحاد؛ فإنها قد صارت تواتراً من جهة المعنى، فصارت كما يروى أن حاتم طي كان سخياً، وأن علي بن أبي طالب كان شجاعاً، وأن مالكاً والشافعي وأبا حنيفة كانوا فقهاء، وأن يعرب وقحطان كانوا فصحاء، وأن باقلاً كان عياً أحمق؛ فإن هذه الأشياء نقلت عمن هي مضافة إليه نقل أخبار آحاد، لكنها كلها متفقة في المعنى، على أن القصد بها إثبات آحاد هذه المعاني التي ذكرناها، وصار المعنى متواتراً وإن كانت الأخبار آحاداً، إلا أنها كثرت حتى صار ثبوت معناها متواتراً.
  وكذلك أخبار الشفاعة، وإن كانت أعيان الأخبار آحاداً فقد صار المعنى وهو إثبات الشفاعة متواتراً، وأن ثبوت الشفاعة للنبي ÷، وإخراج قوم من النار أظهر وأثبت من ثبوت سخاء حاتم، وشجاعة علي، وفقه الفقهاء، وفصاحة الفصحاء، وعي البكماء؛ فوجب القضاء بشفاعة النبي ÷.
  ثم نقول: هذه الأخبار ظهرت وانتشرت في الصدر الأول، وهي تنقل في كتب العلماء، وتنسب إلى العدول، قرناً بعد قرن، وتلقتها الأمة بالقبول، فلم يعرف عن أحد من الصحابة أنه رد هذه الأخبار، ولا قالوا: إنها كذب لا أصل لها، هذا مع تدينهم بالصدق والرد على الكذابين، فلو كانت هذه الأخبار ليست بصحيحة لردوا على ناقلها.
  حتى حدثت القدرية، فكان ذلك حجة عليهم في صحة نقلها، وصار ذلك