[إبطال الإمام # دعوى الفقيه تواتر الشفاعة لأهل الكبائر وتفنيد رواياته]
  والثالث: أن فيهم الفساق من أهل الملل المتقدمة، وهو يقول: إن الشفاعة لفساق أهل هذه الملة، فبطل تعلقه بظواهر هذه الأخبار.
  على أن في ظاهرها تردد الناس بين الأنبياء الأول فالأول، وفيه ما فيه من انتقاص منازلهم - شرفهم الله وكرمهم -.
  وعلى أن إحالة كل نبي إلى من بعده؛ إما أن يكون عن علم بأنه لا يشفع فقد وقع الغرر منهم للناس، وهم $ منزهون عن ذلك.
  وإما أن يكونوا غير عالمين بأن الشفاعة ليست إليهم فكيف جهلوا المقام المحمود الذي يستحقه محمد ÷(١)؟ وليست الدار دار تكليف فيقال: اقتضت الحكمة أن لا يعلموا ذلك إلا بالبحث، مثل ما يقال في سائر الأمور الاستدلالية؛ لأن الآخرة دار ثواب وعقاب، وليست بدار تكليف؛ لأنه لا طريق لانتفاع المكلف فيها بما كلفه لو كُلِّفه، ولأنه يؤدي إلى الترفيه على أهل النار، بل إلى خروجهم منها، وإلى التنغيص على أهل الجنة، بل إلى خروجهم منها، وكل ذلك باطل، فما أدى إليه يجب أن يكون باطلاً.
  ووجب أن يكون الأنبياء عالمين بأن محمداً ÷ صاحب المقام المحمود، فبطل ظاهر ما ظنه صحيحاً وتحقيقاً، وعلى أن قول محمد ÷: «أنا لها أنا لها» ظاهره يقتضي أنه شفيع للجميع، ويدخل فيه جميع الأنبياء والأئمة والصالحون والفراعنة، ومن ادعى لله ولداً، كما يدخل الفسقة؛ إذ لا تخصيص للخبر.
  وعلى أنه لو أخرج الكفار بدليل الإجماع فبماذا يُخرج المؤمنين؟ وعلى أن الخبر لو خص الفساق فبماذا يخرج فساق الأمم الماضية؟ وهو يقول: إن محمداً ÷ يشفع
(١) قال ¦ في التعليق: ينظر في هذا الكلام فإن علمهم بالمقام المحمود لا ينافي تجويزهم لأن يشفع بعضهم إلا بدليل أنه لا شفاعة إلا لمحمد ÷، وكيف وقد ثبت أحاديث بثبوت الشفاعة للمؤمنين، وأن منهم من يشفع لكذا من جيرانه، ولعل لرسول الله ÷ مقاماً في الشفاعة بلغ إلى أن يحمده الأولون والآخرون، وإن ثبت لغيره نوع من الشفاعة، فلا ينافي ذلك المقام المحمود، والله أعلم.