[بطلان إمامة العباسي]
  الوالد ففعل إمام الفقيه له أكبر شاهد!
  فإن صعب على الفقيه هذا الأمر؛ فلا ينس دليله، ولا يجهل سبيله، من التكذيب والسب والأذية، الذي هو رأس ماله، وأَسَدُّ نِباله، ولن يغلب من انتضاها في وجه خصمه، وجعل برهانه نوادر زعمه.
  وأما قوله [أي الفقيه]: بايعه أكثر المسلمين - فالله(١) تعالى مشرف مقادير المسلمين عن بيعته، والانقياد لأحكامه، إنما يقع من بعض محصلي الفقهاء أن صلاة الجمعة تقوم بالإمام الجائر الفاجر، لظاهر حديث جابر، فلا يختلفون في ظلمه وجوره.
  فأما الفقيه لمبلغ علمه قضى له بالطهارة، وصحح له الإمامة، وذلك أمر بعيد، ورأي من رأيه غير رشيد؛ كيف يكون إماماً للمسلمين من لم يعقد عقيدته على الدين، ويُعرَف بالفضيلة في المسلمين، أفليس عمر لما اعتقد في نفسه الإمامة وروجع في عقدها لولده عبدالله بن عمر، وعبدالله بن عمر في الطهارة والعلم والورع فقال عمر: إن عبدالله لم يحسن طلاق امرأته، فكيف يتولى أمر أمة محمد ÷، فراعى في أمر الإمامة العلم واستقصر أمر عبدالله فيه.
  فكيف قطع الفقيه على إمامته من غير مخبرة، ولا عراضة لنفسه في العلم على اختبار علماء الأمة، ولعله لم يبق ما يقطع به إلا العلم بالترجيح بين القياسين، والفصل بين أحكام العلل الأربع، وتعذر الترتيب في أحكام ألفاظ قياس العكس، إلى غير ذلك من مشكلات الفن الذي يطول شرح الكتاب بها لو تقصيناها.
  ولم يعلم أن جل معرفته، وغاية علمه؛ هو التمييز بين أحكام البم والزير(٢)، وأنواع العيدان والطنابير، واختيار النغمات والأصوات، كما فعل أمير المؤمنين الرشيد في اختيار المائة الصوت، وتبعه أمير المؤمنين الواثق واختار من المائة عشرة.
(١) جواب الإمام عبدالله بن حمزة (ع).
(٢) البم: الغلظ من أوتار المزهر. والزير: هو الدقيق من الأوتار. تمت قاموس، والبم هو بالباء الموحدة.