كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[بطلان أستدلال الفقيه على إمامة أبي بكر]

صفحة 361 - الجزء 4

  فقد ملأوا البلاد مشاهد ومساجد، وعلوماً ورسوماً؛ فسلام الله عليهم أجمعين، وعجل نصرهم على أعدائهم الناصبين، فهو خير الناصرين.

  ثم قال [أي الفقيه]: وأما قوله [أي: القرشي]: لو سلمنا أن المراد بالآية هو دعاء أبي بكر، فليس في الآية ما يوجب كونه إماماً؛ لأنه ليس فيها أكثر من الدعاء إلى القتال، وهو واجب وإن لم يكن إمام في بعض الأحوال؛ لأن المسلمين لو خشوا بوادر الكفار والبغاة متى لم يبادروا إلى قتالهم؛ فانتصب أحدهم للدعاء إلى ذلك، وغلب على الظن أنه إن لم يُجَب لحق الإسلام ضرر عظيم؛ لكانت إجابته واجبة، وإن لم يكن إماماً.

  فنقول [أي: الفقيه]: ليس هذا مما نحن فيه بشيء؛ لأن العرب كانت ترضى من أبي بكر بأن يقرها على ترك الزكاة، مع التزام سائر لوازم الإسلام، وكان قصدهم ذلك من غير حرب ولا خروج على المسلمين، فلو وافقهم أبو بكر على ذلك كان غاية مقصودهم، ولم يخش بوادرهم ولا قتالهم، فأشكل أمرهم على سائر المسلمين.

  غير أن أبا بكر لما شرح الله صدره ونور قلبه، ورآه أهلاً للقيام بما حمله، اضطربت الصحابة في قتالهم، وقال بعضهم: كيف نقاتلهم وقد قال النبي ÷: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله».

  فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عناقاً أو قال عقالاً مما أدوه إلى رسول الله ÷ لقاتلتهم عليه، وسيرت الجيوش في كل وجه، وأقاتل⁣(⁣١) من أدبر بمن أقبل.

  ومثل هذا لا يجوز أن ينتصب له إلا الإمام؛ حتى لو أن مسلماً قتل مرتداً من


(١) وقاتل (نخ).