كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الرد على دعوى الفقيه خروج أبي بكر وجده لقتال أهل الردة]

صفحة 375 - الجزء 4

  ردؤه، والمسلمون كالحلقة المبهمة؛ إذ قد صار يخرج وحده لحرب أهل الردة.

  فإن شئت فاسمع ذلك ولا تكذبه حتى تعرضه على أهل المعرفة، فإن أنكروه فقل ما شئت جرياً على عادتك، وإن أقروا به فقف عنده، فالحق يغني المحق عن الباطل.

  لما ردّ أبو بكر وفود العرب بغير مرادهم، وأحل من وجد منهم بالمدينة بعد يومه ذلك، وجيشُ أسامة قد نَفَذَ لأمر رسول الله ÷، ورجعت الوفود إلى عشائرهم فأطمعوهم في المدينة، واستقلوا⁣(⁣١) من بقي فيها من المسلمين، فأمر أبو بكر الأمراء على أنقاب المدينة للحراسة، وأخذ المسلمين لحضور المسجد، وقال لهم إن الأرض كافرة، وقد رأى وفدهم منكم قلة، وإنكم لا تدرون أَلَيْلاً تؤتون أم نهاراً، وأدناهم منكم على بريد، وقد كان القوم يأملون أن نقبل منهم ونوادعهم، وقد أبينا عليهم ونبذنا إليهم، فاستعدوا وأعدوا.

  فما كان غير ثلاث حتى طبقوا المدينة غارة مع الليل، وخلَّفوا نصفهم بذي حسى ليكونوا ردءاً لهم، فوافق القوم الأنقاب وعليها المقاتلة، ودونهم أقوام يدرجون فنهنهوهم، وأرسلوا إلى أبي بكر الخبر، فأرسل إليهم أن الزموا مكانكم، ففعلوا، وخرج في أهل المسجد على النواضح إليهم، فأنفش العدو وأتبعهم المسلمون على إبلهم؛ حتى بلغو ذا حسا، فخرج عليهم الردء بأنحاء⁣(⁣٢) قد نفخوها وجعلوا فيها الحبال ثم دهدهوها بأرجلهم في وجوه الإبل، فتدهده كل نحي من طوله، فنفرت إبل المسلمين وهم عليها، ولا تنفر من شيء نفارها من الأنحاء، فعاجت بهم ما يملكونها حتى دخلت بهم المدينة، فلم يصرع مسلم ولم يصب؛ فقال في ذلك الحنظل بن أوس وقيل إنها للحطيئة:


(١) واستثقلوا (نخ).

(٢) الأنحاء: جمع نحي والنَّحْي: الزِّقُّ، والزق: وعاء من جلد يجز شعره ولا ينتف للشراب وغيره؛ تمت (المعجم الوسيط).