كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[سخاء الإمام علي (ع) وزهده]

صفحة 526 - الجزء 4

  وواحداً سراً لئلا يدخله الرياء، والآخر علانية ليقتدى به ففيه نزلت الآية: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً}⁣[البقرة: ٢٧٤]، فعظمها الله وكثرها وسماها أموالاً، وبشره بالقبول ووعده بالجزاء، وهو سبحانه يجازي على ما يعلم، وقد قال ÷ في الصدقة: «جهد من مقل خير من عفو من مكثر».

  وأعتق ألف نسمة من كسب يده وحل مكتسبه وعرق جبينه، وأخرج مائتي عين بينبع وغيرها، وتصدق بها، وكتاب الصدقة معنا إلى الآن.

  ومدح الباري له عام وأهل بيته في سورة هل أتى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ٨ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ٩ إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ١٠ فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا ١١ وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ١٢ ... الآيات}⁣[الإنسان]، فإن فيها أكثر مديحه في باب الكرم وفضله.

  ثم الزهد بلغ فيه إلى حيث لم يبلغ أحد قال: (والله لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها فقال لي: انبذها يا أمير المؤمنين والله ما صاحب الأتن يرضاها براذع لأتنه فقلت: اعزب عني فعند الصباح يحمد القوم السرى، وتنجلي عنهم غباوات الكرى، والله لو شئت لتسربلت بالعبقري المنقوش من ديباجكم، ولتناولت لباب البر في صدور دجاجكم، ولشربت الماء في رقيق زجاجكم ولكني وجدت الله يقول: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا ..}⁣[هود: ١٥]، وتلا الآيتين إلى قوله: {وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ١٦}⁣[هود]).

  وقد كان يختم على طعام نفسه لئلا يزاد عليه، وكان يأكل قرص الشعير بالملح الجريش، وكان من قوله في رسالته إلى ابن حنيف |: (فأما إمامك فقد رضي من لباسه بطمريه، ومن متاعه بقرصيه، وكأني بقائلكم يقول: إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب أقعده العجز عن منازلة الشجعان ومبارزة الفرسان، وإن الشجرة