[الكلام في الإمامة]
  وإذا تقررت هذه الجملة بما وصفنا في كتابنا هذا؛ فلنذكر أئمة الضلال من معاوية إلى يومنا هذا، وأئمة الهدى كذلك نذكرهم إلى يومنا هذا، ليكون المكلف متمكناً من النظر في أمر الفريقين، ومن الأولى بالإتباع من الطائفتين؛ فالله سبحانه يقول: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا}[السجدة: ٢٤]، ويقول عز من قائل: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ٤١}[الحج]، ويقول الله عز وعلا: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا}[النور: ٥٥]، فهؤلاء الموعودون بالاستخلاف دون غيرهم، فلا تكون الخلائف سواهم، ولا يستحق الخلافة إلا من استقام على رسوم الدين مع شرائط أُخَر اعْتُبِرَتْ في الإمامة نبيّنها.
  فمن لم يؤمن شرعاً ويعمل الصالحات كيف يكون خليفة للمؤمنين، وإماماً للمسلمين، والإمام بلا خلاف أفضل من المأموم، ويقول تعالى: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ٣٥}[يونس]، وهي خلافة النبوة، فلا بد أن يلتزم الخليفة أحكام المستخلِف وإلا كان مخالفاً لا خليفة، ولهذا حذّر موسى # تعليماً للدين وتعريفاً لأحكام رب العالمين - أخاه هارون @ في قوله: {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ١٤٢}[الأعراف]، فلولا أن ذلك من أحكام الخلافة لما ذكره؛ لأن كلام الأنبياء عن الله ø، وقال تعالى لداود #: {يَادَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ}[ص: ٢٦]، فقضى ظاهر الآية أن الخليفة يحكم بالحق ولا يتبع الهوى، وأولى المحكوم عليه نفسه؛ لأن من لم يحكم على نفسه لم يحكم على الناس، ومن يتبع الهوى لم يستحق الخلافة، ولا سبيل إلى استقصاء أحوال