[سبب نكبة البرامكة]
  انتهاك المحرمات ورفض الواجبات وإيثار اللذات، فله عليهم الفضل في هذا الباب باختيار الأصوات، والمفاضلة بين النغمات، وترتيب النايات والأوتار والدستانات! فقد ذكر أهل الأغاني على اختلاف رواياتهم أنه اختار مائة صوت، وله في صلة المغنين والمغنيات ما لم يكن لأحد قبله؛ فأما بعده فقد تجاوزه وارثوه في التخرق للمغنين والمطربين من أرباب الملاهي.
  وقد أفردنا لأحوالهم في الشرب باباً في كتابنا هذا سردنا حكايتهم فيه متواترة، وإنما نذكر طرفاً من أمره يدل على ما سواه؛ لأنا رأينا بعض من يتولاهم يعظّم حال الرشيد في الخلافة وربما يذكر له فضائل.
[سبب نكبة البرامكة]
  ذكر محمد بن جرير في تاريخه أن محمد بن سليمان لما توفي في البصرة لليالي بقين من جمادى الآخرة، فلما مات اصطفى المسمى بالرشيد جميع ما خلفه مما يصلح للخلافة وما ترك إلا الخرثي(١)، وأصابوا من العين ستين ألف ألف، فلما صارت في السفن أخبر الرشيد بمكانها وأمر بإدخال جميع الذخائر إلا العين فإنه أمر بصكاك كتبت للندماء وكتبت للمغنين ولم يذر في الديوان شيئاً؛ فأرسلوا وكلاءهم فقبضوا ذلك المال أجمع، ولم يدخل بيت ماله منه دينار ولا درهم.
  وتهتّكه في أمر جعفر بن يحيى أظهر من أن يفتقر إلى استشهاد، يلبس وإياه قميصاً واحداً بجيبين يفضي جسد أحدهما إلى جسد الآخر بغير حشمة، وكان لا يصبر عن جعفر وعن أخته عباسة بنت المهدي، وكان يُحْضِرُهما إذا جلس للشرب، وذلك بعد أن علم جعفر قلّة صبره عنه وعنها، فقال لجعفر: أزوجك إياها ليحل لك النظر إليها إذا أحضرتها مجلسي، وعهد إليه أن لا يمسها ولا يكون منه شيء مما يكون من الرجل إلى زوجته؛ فزوّجه إياها على ذلك، فكان
(١) الخُرثي بالضم: أثاث البيت، أو أراد المتاع والغنائم. تمت من القاموس.