[سبب نكبة البرامكة]
  يحضرهما مجلسه إذا جلس للشرب ثم يقوم عن مجلسه ويخليهما فيثملان من الشراب وهما شابان فيقوم إليها جعفر فيجامعها فحبلت منه فولدت غلاماً فخافت على نفسها من الرشيد إن علم بذلك؛ فوجهت بالمولود مع خواص لها من مماليكها إلى مكة، فلم يزل الأمر مستتراً إلى أن جرى بينها وبين بعض جواريها شَرّ، فأنهوا أمرها وأمر الصبي إلى الرشيد، وهذا سبب نكبة البرامكة، رواه الطبري في تاريخه.
  وكان كثيراً ما يحقد على الفضل بن يحيى لتركه الشرب معه، وكان جعفر في منادمة الرشيد وفي كل أموره، وقد كان يحيى قال للرشيد: يا أمير المؤمنين إني أكره مداخل جعفر معك ولست آمن أن ترجع العاقبة عليّ منك، فلو أعفيته واقتصرت منه على ما ولّيته من جليل أعمالك، قال المسمى بالرشيد: ليس لك هذا، ولكن تريد أن تقدم عليه الفضل.
  وروى ابن جرير في تاريخه: أن هارون لما أراد محنة إبراهيم بن عثمان فيما رفع إليه من تأسفه على البرامكة وطلبه النقم بثأرهم، فقال للفضل بن الربيع: إني أريد محنته؛ فإذا رفع الطعام فادفع بالشراب وقل له: أحبَّ أمير المؤمنين أن ينادمك إذ كنت منه بالمحل الذي أنت به؛ فإذا شرب، فانصرف وخلني وإياه.
  ففعل ذلك الفضل بن الربيع، وقعد إبراهيم للشرب، ثم وثب حين وثب الفضل، فقال له الرشيد: مكانك يا إبراهيم، ففعل؛ فلما طابت نفسه أومأ الرشيد إلى الغلمان فتنحوا عنه، ثم قال: يا إبراهيم كيف أنت وموضع السر منك؟ فقال: يا سيدي إنما أنا أحد عبيدك. فقال: إن في نفسي أمراً من الأمور أريد أن أودعك، وقد ضاق به صدري. قال: إذن يا سيدي لا يرجع عني إليك أبداً، وأخفيه عن نفسي أن تذيعه. قال: إني قد ندمت على قتل جعفر ندامة لا أحسن أن أصفها، ووددت أني كنت خرجت من ملكي وأنه كان بقي لي؛ فلما سمع إبراهيم أسبل دموعه وأذرى عبرته، وقال: رحم الله أبا الفضل وتجاوز