[ذكر الوقعات التي دارت بين أبي السرايا والمسودة]
  وصنع فإنه عرض هذه الدولة للذهاب وأفسد ما صلح منها.
  ثم أمر بضرب الطبل وانكفأ راجعاً إلى بغداد، فلما صار بالنهروان تلقاه أهل بغداد والقواد وبنو هاشم وجميع أولياء الدولة العباسية مسرورين بقدومه داعين له وترجلوا جميعاً حين رأوه، فدخل بغداد في جمع عظيم حتى أتى منزله.
  وأمر الحسن بن سهل بدواوين الجيش فنقلت إليه يختار الرجال منها وينتخبهم وأطلق لهم بيوت الأموال، فانتخب من أراد، وأزاح العلة في الأعطيات والنفقات، وخرج إلى الناشرية فعسكر بها.
  قال الهيثم بن عدي: فدخلت عليه ومازحته وهو في نحو ثلاثين ألف مقاتل فارس وراجل، فقلت: أيها الأمير لو خضبت لكان للعدو أهيب وهو أحسن للنظر، فضحك، وقال: إن كان رأسي لي فسأخضبه وإن كان انقلب به أهل الكوفة فما أصنع بالخضاب؛ ثم نادى بالرحيل إلى الكوفة، فرحل بالناس.
  وأبو السرايا بالقصر، وقد عقد لمحمد بن إسماعيل بن عبدالله بن محمد الأرقط بن علي بن الحسين على المدائن ووجه معه العباس الطنكي والمسيب في جمع عظيم فلقوا الحسن بن علي المعروف بابن البط بساباط المدائن فاقتتلوا قتالاً شديداً وهزم أبو البط واستولى محمد بن إسماعيل على البلد وأحيط ببغداد وظهر العلويون ظهوراً عظيماً؛ فصار أبو السرايا إلى نهر صرصر بقي بينه وبين بغداد فرسخين وقال راجزهم:
  يا أهل بغداد تهيأو للهَرَب ... كيف رأيتم وقع أسياف العرب
  فلما صار هرثمة إلى شرقي صرصر وأبو السرايا في غربيه وقد وجه الحسن بن سهل إلى المدائن علي بن سعيد وحماد التركي وجماعة من القواد في جيش عظيم، فقاتلوا محمد بن إسماعيل فهزموه واستولوا على المدائن.
  ومضى أبو السرايا من فوره بالليل ولا يعلم هرثمة وكان جسر صرصر مقطوعاً بينهما يريد المدائن فوجد العلويين قد أخرجوا منها واستولى عليها المسودة فناوشهم