[ذكر الوقعات التي دارت بين أبي السرايا والمسودة]
  خيل وأمره أن يأتي هرثمة من ورائه؛ فمضى لوجهه ولم يشعر هرثمة حتى قرب منه وحمل أبو السرايا عليه فغلق رهن هرثمة وأيقن بهلاكه وهلاك جيشه، ولم يبق دون ذلك قليل ولا كثير.
  وحمل أبو السرايا قال لأهل الكوفة: احملوا، فصاح هرثمة: يا أهل الكوفة اتقوا الله في دمائنا ودمائكم إن كان قتالكم إيانا كراهة لإمامنا فهذا منصور بن المهدي رضا لنا ولكم نبايعه، وإن كرهتم إلا إخراج الأمر من ولد العباس فانصبوا إمامكم واتفقوا معنا يوم الاثنين نتناظر فمن وجبت له الحجة بايعناه جميعاً، ولا تقتلونا وأنفسكم.
  فأمسك أهل الكوفة عن الحملة، وناداهم أبو السرايا: ويحكم إن هذه حيلة من هؤلاء الأعاجم وليسوا بأهل دين ولا تحرٍّ لصلاح الأمة وإنما أيقنوا بالهلاك فاحملوا عليهم؛ فامتنعوا وقالوا: لا يحل لنا قتلهم فقد أجابونا إلى كلمة الحق.
  فانصرفوا وانصرف معهم أبو السرايا، ونجا هرثمة كأنه لم ينج بعدما أحيط به، ولو قتل جيشه ما حال دون بغداد حائل ولا منعها مانع، ولكن المؤمن كما قال النبي ÷: «غر كريم».
  فلما كان يوم الجمعة خطب أبو السرايا بأهل الكوفة؛ فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي ÷ ثم قال: يا أهل الكوفة يا قتلة علي ويا خذلة الحسين إن المغتر بكم لمغرور، وإن المعتمد على نصرتكم لمخذول، فإن الذليل لمن أعززتموه، والله ما حمد علي أمركم فنحمده ولا رضي به فنرضى به، ولقد حكمكم فحكمتم عليه وائتمنكم فخنتم أمانته، ووثق بكم فحلتم عن ثقته، ثم لم تنفكوا عليه مختلفين ولطاعته ناكثين إن قام قعدتم، وإن قعد قمتم، وإن تأخر تقدمتم وإن تقدم تأخرتم، خلافاً عليه وعصياناً لأمره؛ حتى سبقت فيكم دعوته، وخذلكم الله بخذلانكم إياه.
  أي عذر لكم في تخلية عدوكم والهرب عنه والنكول عمن لقيتم وقد عبروا