[اختبار المأمون لعبدالله بن طاهر وبحثه عن دفين نيته]
  فقال له: قد فهمت ما في رقعتك من جملة كلامك فهات ما عندك، قال: ولي أمانك وذمة الله معك؟ قال: لك ذلك؛ فأظهر له ما أراد ودعاه إلى القاسم # وأخبره بفضائله وعلمه وزهده.
  فقال له عبدالله: أتنصفني؟ قال: نعم، قال: هل يجب شكر الله على العباد؟ قال: نعم، قال: فهل يجب شكر بعضهم على بعض(١)؟ قال: نعم، قال: فتجيء إليّ وأنا في هذه الحال التي ترى لي خاتم في المشرق جائز وفي المغرب كذلك، وفيما بينهما أمري مطاع وقولي مقبول، ثم ما ألتفت يميني ولا شمالي وورائي وقدامي إلا رأيت نعمة لرجل أنعمها عليّ ومنة ختم بها رقبتي ويداً لائحة بيضاء ابتلاني بها تفضلاً وتكرماً، فتدعوني إلى الكفر بهذه النعمة وهذا الإحسان، وتقول: أغدر بمن كان أولاً لهذا وآخراً، واسعى في إزالة خيط عنقه وسفك دمه؛ تراك لو دعوتني إلى الجنة عياناً من حيث أعلم أكان الله ø يحب أن أغدر به وأكفر إحسانه ومنته وأنكث بيعته؟ فسكت الرجل.
  فقال له عبدالله: أما إنه قد بلغني أمرك وتالله ما أخاف عليك إلا نفسك فارحل عن هذه البلد، فإن السلطان الأعظم إن بلغه أمرك وما آمن ذلك كنت الجاني على نفسك ونفس غيرك؛ فلما أيس الرجل منه، جاء إلى المأمون فأخبره الخبر فاستبشر وسره ذلك وأنس قلبه من جانبه(٢).
  فانظر أيها المتكلف، بل أيها الناظر مَن الجواسيس لطلب أسرار أهل هذا البيت الطاهر إلا من تزيا بالصلاح والنسك والطهارة، ومَن المظهر لغوامض أسرار خلفاء بني العباس الذين جعلهم علماء السوء خلفاء رحمة وأئمة هدى إلا أهل الفسق والدعارة والمجون والشطارة، والملاهي وأرباب الفتن، وأهل العاهات في أنفسهم من الرجال والنساء.
(١) عند الإحسان والمنة والتفضل. تمت من تاريخ الطبري.
(٢) قال ¦ في الحاشية: وهذه القصة رواها أبو جعفر الطبري في تاريخه.