[ترجمة الحسن بن محمد بن الحنفية وأخيه عبدالله]
  حدثني القاضي أبو حامد المروزي، قال: حدثني أبو الحسن الهمداني المعروف بالحروري - وكان رجلاً فقيهاً على مذهب الشافعي، تاجراً يجمع بين الفقه والتجارة - قال: قصدت اليمن في بعض الأوقات وحملت ما أتجر فيه هنالك ابتغاء لرؤية يحيى بن الحسين # لما كان يتصل بنا من آثاره، فلما حصلت بصعدة قلت لمن لقيته من أهلها: كيف أصل إليه ومتى أصل وبمن أتوسل في هذا الباب؟ فقيل لي: الأمر أهون مما تقدِّر، تراه الساعة إذا دخل الجامع للصلاة بالناس؛ فإنه يصلي بالناس الصلوات الخمس كلها.
  فانتظرته حتى خرج للصلاة فصلى بالناس وصليت خلفه، فلما فرغ من صلاته تأملته فإذا هو قد مشى في المسجد إلى قوم أعِلاَّءَ في ناحية منه فعادهم وتفقد أحوالهم بنفسه، ثم مشى في السوق وأنا أتبعه، فغيّر شيئاً أنكره ووعظ قوماً وزجرهم عن بعض المناكر، ثم عاد إلى مجلسه الذي كان يجلس فيه من داره فتقدمت إليه وسلمت عليه فرحب بي وأجلسني وسألني عن حالي ومقدمي فعرفته أني تاجر وأني وردت ذلك المكان تبركاً بالنظر إليه، وعرف أني من أهل العلم فأنس بي وأكرمني إذا دخلت إليه.
  إلى أن قيل لي في يوم من الأيام: إن غداً يوم المظالم وإنه يقعد فيه للنظر بين الناس فحضرت غداة هذا اليوم فشاهدت هيبة عظيمة، ورأيت الأمراء والقواد والرجالة وقوفاً بين يديه على مراتبهم وهو ينظر في القصص ويستمع الظلامات ويفصل الأمور؛ فكأني شاهدت رجلاً غير من كنت شاهدته وبهرتني هيبته؛ فادعى رجل على رجل حقاً وأنكره المُدَّعَى عليه وسأله البينة فأتى بها فحلَّف الشهود، فعجبت من ذلك، فلما تفرق الناس دنوت إليه وسلمت عليه وقلت: أيها الإمام رأيتك حلفت الشهود. فقال: هذا رأيي أنا أرى تحليف الشهود احتياطاً عند بعض التهمة؛ وما تنكر من هذا؟ هذا قول طاووس من العلماء التابعين، وقد قال تعالى: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا}[المائدة: ١٠٧].