كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[مقدمة المؤلف]

صفحة 6 - الجزء 2

  ذم؛ فيجب أن يجري على من له مذهب مذموم في القدر، وقد شبههم ÷ بالمجوس على وجه لا يشاركهم فيه غيرهم، وقد صحّ أن المجوس يقولون في نكاح البنات والأمهات: إنه بقضاء الله وقدره، ولا يشاركهم في القول بذلك إلا الفرقة الجبرية دون غيرهم، ولذلك سُمّوا قدرية.

  وأيضاً فإن المجوس يقولون: إن مزاج العالم هو شيء واحد حسن من النور قبيح من الظلمة، فلا يشاركهم في ذلك إلا من يقول: إن الكفر هو شيء يحسن من الله تعالى من حيث خلقه، ويقبح من الواحد منا من حيث اكتسبه.

  وأيضاً فإن المجوس يجوزون الأمر بما ليس في الوسع والطاقة، والنهي عما لا يمكنه الانفكاك عنه، يقال: إنهم يصعدون ببقرة إلى شاهق ويشدون قوائمها ثم يدهدهونها ويقولون: انزلي ولا تنزلي، مع أن البقرة لا يمكنها الانفكاك من النزول ولا الإتيان بخلافه، وهذه حال هؤلاء المجبرة؛ لأنهم يقولون: إنه تعالى كلف الكافر الإيمان مع أنه لا يمكنه فعله ولا الإتيان به، ونهاه عن الكفر مع أنه لا يمكنه الانفكاك عنه.

  وأيضاً فإن المجوس قالوا: إن القادر على الخير لا يمكنه خلافه؛ بل يكون مطبوعاً عليه، وكذا القادر على الشر لا يقدر إلا عليه، وهذا بعينه صريح مذهب المجبرة، فمن مذهبهم أن القادر على الإيمان لا يقدر على الكفر؛ بل يكون محمولاً عليه، والقادر على الكفر لا يقدر على الإيمان بل يكون مطبوعاً عليه لا يمكنه مفارقته ولا الانفكاك منه.


= وعنه ÷: «لا تجالسوا أهل القدر، ولا تفاتحوهم» أخرجه أحمد، وأبو داود، والحاكم عن عمر.

وعنه ÷: «لُعنت القدرية على لسان سبعين نبياً» أخرجه الدارقطني عن علي.

أورد سعد الدين في شرح المقاصد ما روي عنه ÷ في حديث القادم عليه من فارس فسأله ÷: عن أعجب ما رأى؟ فقال: رأيت أقواماً ينكحون أمهاتهم وأخواتهم، فإن قيل: لم تفعلون ذلك؟ قالوا: قضى الله علينا وقدر، فقال ÷: «سيكون في آخر أمتي أقوام يقولون مثل مقالتهم اولئك مجوس» انتهى من إيقاظ الفكرة لابن الأمير.