[وجوه النهي عن مجالسة القدرية]
  والثاني: ما يجري مجرى العلة بالاستدلال على أنه سبحانه مريد لوقوع أفعاله على الوجوه المختلفة كما في الشاهد.
  والثالث: بطريقة الحكم كما يستدل على أنه تعالى قادر لصحة الفعل منه وتعذره على سواه كما في الشاهد، ومن هذا الوجه الثالث ينسد على المجبرة العلم بصفاته سبحانه، كما ينسد بالوجه الأول عليهم العلم بذاته.
  والوجه الرابع: طريقة الأَوْلى كما نذكره في حسن تكليف الله تعالى لعباده تعريضاً لمنافع دائمة خالصة لا تنال إلا به؛ لأنه متى حسن منا تحمل المشاق لمنافع مظنونة من التجارات وطلب العلوم والأرباح، فلئن يحسن تعريض الله لنا بالتكليف لمنافع معلومة دائمة خالصة من الشوائب مفعولة على وجه الإجلال والتعظيم أحق وأولى.
  وكذلك فبنسبتهم القبائح إليه أخرجوا أنفسهم من صحة العلم بنبوة الأنبياء $ فإن صحة العلم بذلك تترتب على عدل الله سبحانه وحكمته، وأنه لا يختار القبيح ولا يفعله، ولا يصدق الكاذبين، ولا يظهر عليهم أعلام المعجزة، فصارت حالُهم بهذه الوجوه أسوأ من حال سائر المبطلين من الملحدة والمجسمة وغيرهم؛ فقد توضح بجميع ما ذكرنا أنهم باسم القدرية أحقّ وأولى، وهذا بيِّن لمن أنصف ولم يكابر، بحمد الله ومَنِّه.
[وجوه النهي عن مجالسة القدرية]
  يُبَيّن ما ذكرناه ويُوضِّحه: أن النبي ÷ نهى في الخبر عن مجالسة القدرية ولذلك وجوه ظاهرة:
[١] [الاستهزاء بآيات الله]
  أحدها: أنهم ممن يتخذ آيات الله هزواً ولعباً؛ لأنهم بقولهم: إن أفعال العباد كلها من الله سبحانه وتعالى خلقها فيهم وأوجدها لا اختيار لهم في إيجادها، ولا قدرة لهم على تحصيلها - قد صيروا الكتب المنزلة هُزُواً؛ لأن هذه الأفعال متى