كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[بيان أن المجبرة سدوا على أنفسهم طريق معرفة الله]

صفحة 11 - الجزء 2

  وقد شبه النبي ÷ القدرية بالمجوس على حد لا يشارك مذهبهم مذهب غيرهم، وذلك ثابت للمجبرة الذين جعلوا القديم تعالى مجبولاً على فعل الخير حيث لا يقدر على قبيح حتى قالوا: إنه لا يصح أن ينفرد الله تعالى بالظلم، والشيطان مجبولاً على الشرّ بحيث لا يمكنه مفارقته والانفكاك منه.

  وعلى أن حال هؤلاء المجبرة القدرية أسوأ من حال سائر أرباب الملل وذلك ظاهر؛ فإن كل فرقة من الفرق لا يضيفون إلى معبودهم إلا ما قد اعتقدوا فيه الحسن، سواهم؛ ألا ترى أن الملحدة لما اعتقدت قبح هذه الصورة قالوا: لو كان هاهنا صانع حكيم لما جاز أن يخلق مثل هذه الصور القبيحة؛ لأنه يقدح في حكمته؛ فنفوا الصانع كيلا يلزمهم إضافة القبيح إليه، وكذلك فإن اليهود لما اعتقدوا حسن القول بنبوءة موسى # والعمل بما في التوراة وقبح الصيد في السبت وتحريم المكاسب، أضافوا إليه الأول ونفوا عنه الثاني، وكذلك فإن النصارى لما اعتقدوا حسن القول بالتثليث وقبح القول بما عداه أضافوا إليه الأول ونزهوه عن الثاني، وهؤلاء المجبرة مع علمهم بقبح هذه المقبحات أضافوها إلى الله سبحانه وتعالى من غير حشمة ولا مراقبة، حتى إنهم يفتخرون بذلك ولا يأنفون منه؛ فقد صار حالهم أسوأ من حال سائر الكفرة.

[بيان أن المجبرة سدوا على أنفسهم طريق معرفة الله]

  ومما يوضح سوء حالهم في الإسلام أنهم بإضافتهم الأفعال كلها قبيحها وحسنها إلى الله تعالى سدوا على أنفسهم طريق معرفة الله تعالى أصلاً؛ فإن الطريق إلى إثبات المحدث في الغائب هو إثبات المحدث في الشاهد بالطريق الجامعة بينهما، وليس استدلالاً بمجرد الوجدان، بل بالاشتراك في علة الاحتياج إلى محدث وهي حدوث الأفعال على ما ذلك مقرر في مواضعه؛ وجملة ذلك أنه يُجمع بين الشاهد والغائب بطرق أربع:

  أحدها: الاشتراك في العلة كما ذكرنا هاهنا، وإن كانت من العلل الجارية مجرى الكاشفة.