[آية الذرء وتوضيح أنه لا يصح الاستدلال بالقرآن مع التزام مذهب الجبر]
  الآية على ما تذهبون إليه؟
  فإن قالوا: إن هذه اللام لام الإرادة، والقديم تعالى بين أنه خلق كثيراً من الجن والإنس وأراد أن يدخلوا النار كما أن اللام في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات: ٥٦] للإرادة.
  قلنا: إن هذا لا يصح لأن لام الغرض والإرادة إنما تدخل في المصادر والأفعال المضارعة، وجهنم اسم جامد فلا يجوز دخول لام الغرض فيه؛ لأنه يقال: دخلت بغداد لطلب العلم أو لأطلب العلم، ولا يقال: دخلت بغداد للسماء والأرض؛ لما كان اسماً جامداً.
  فإن عدلوا عن الظاهر وتأولوا معناها؛ فليسوا بالتأويل أولى منا بل نتأول الآية على وجه يوافق ما ذكرنا من الأدلة العقلية، فنقول: المراد بقوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ}[الأعراف: ١٨٩]: أي عاقبتهم أن يصيروا إلى النار، فتكون اللام لام العاقبة، ولام العاقبة قد ورد في كتاب الله تعالى وفي كلام العرب، قال الله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا}[القصص: ٨]، ومعلوم أنهم التقطوه ليكون لهم قرة عين، إلا أنه لما كان عاقبته أن يصير لهم عدواً وحزناً قال: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا}، وقال تعالى في مثل هذا المعنى: {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا}[آل عمران: ١٧٨]، أي وعاقبتهم أن يزدادوا إثماً، قال الشاعر:
  أموالنا لذوي الميراث نجمعها ... ودورنا لخراب الدهر نبنيها
  وقال آخر:
  له ملك ينادي كل يوم ... لدوا للموت وابنوا للخراب
  واللام في جميع ذلك للعاقبة.