كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[آية الذرء وتوضيح أنه لا يصح الاستدلال بالقرآن مع التزام مذهب الجبر]

صفحة 22 - الجزء 2

  بشيء من أخباره، ولا قطعنا على صحة ما فعله من إرسال الرسل، بل لا نأمن من أن يكون تعالى أرسلهم لإضلال عباده، أو أن غرضه ومراده غير ما جاءوا به، ولم يبين ذلك للمكلفين؛ لأن قصارى ذلك أن يكون هذا النوع قبيحاً، وهم لا يمكنهم مع تمسكهم بمذاهبهم الباطلة الجواب عن شيء من ذلك؛ لأن عندهم أنه تعالى متى كان خالقاً لكل كذب وزور وتلبيس وسائر القبائح من أول الدنيا إلى آخرها، فما الأمان من أن يكون ما ذكرناه مجة من ذلك البحر؟ وهذا لا مخلص لهم عنه إلا بترك مذاهبهم الباطلة.

  ولوجه آخر: وهو أنه متى كان تعالى فاعلاً لأعمال العباد، وخالقاً للغي منها والرشاد، لم يصح أن يُعْلَم أن للعالم محدثاً؛ لأن ذلك مبني على إثبات محدث في الشاهد فما لم يعلم المحدث في الشاهد كيف يتوصل إلى إثبات المحدث في الغائب على ما ذكرناه في غير هذا الموضع من جوابنا هذا، والعلم بصفاته تعالى وأنه قادر لا يعجز وعالم لا يجهل فرع على العلم بذاته، والعلم بأنه غني لا يحتاج، فرع على العلم بأنه حي لا تجوز عليه الشهوة والنفار، والعلم بأنه تعالى عدل حكيم لا يفعل القبائح مبني على أنه سبحانه عالم بقبحها وغني عن فعلها، وعالم بغنائه عنها فلا يفعل شيئاً منها، والعلم بالنبوات وصحة الكتاب الكريم مبني على عدل الله وحكمته، وأنه لا يخبر بالكذب، ولا يظهر المعجز على الكاذب؛ فقد رأيت ترتيب هذه العلوم بعضها على بعض، وترتب الجميع على أن العبد فاعل، فمن أنكر ذلك سد على نفسه العلم بجميع ما ذكرنا، ولولا خشية الإطالة لشرحنا كل مسألة من هذه المسائل بدليلها، وبينا ما وصفنا من تعلق بعضها ببعض، وربما يجري في أثناء هذا الجواب إن شاء الله تعالى ما يكون بياناً لذلك أو لشيء منه، ولظننا أن صاحب الكتاب غير معطل من ذلك جملة فصح ما قلنا أنه لا يمكنه الاستدلال بالسمع مع تمسكه بمذهبه من هذا الوجه.

  على أنه لو صح لهم الاستدلال بالسمع لكان لقائل أن يقول: ما وجه دلالة