[الرد على تفسير الفقيه للظلم الذي نزه الله تعالى عنه، والرد على بقية كلامه]
  المتناقضة - فلعمري إن هذا قول بالعدل، وميل عن المين إلى الصدق.
  وإن أراد أنه سبحانه عدل وإن وقعت منه هذه الأمور التي قامت الأدلة الصحيحة أنها أفعال عبيده تعالى، وأنها قبيحة، وتبرأ سبحانه منها، وذمهم على فعلها، وألزمهم تركها، وكذلك الطاعات التي وعدهم عليها بالثواب العظيم، وحذرهم عن تركها بالعذاب الأليم - فلعمري إن هذا عدول عن العدل إلى الجور؛ فنعوذ بالله من الحَوْر بعد الكَوْر(١).
  وإن اعتل بمثل ما تقدم من أن الجور إنما يتصور من العبد المحدث المربوب الذي حددت له الحدود - فالجواب ما قدمنا من أن هذه الأمور قبائح عند العقلاء، وأنها قبحت لوجوه تقع عليها، فيقبح الظلم لكونه ظلماً، والعبث لكونه عبثاً، والكذب لكونه كذباً، ولا يعتبر في شيء من ذلك صفات الفاعل لشيء من هذه القبائح؛ بل يقبح من كل فاعل بحصول علة القبح، وهي وقوعها على الوجوه المذكورة من كونها ظلماً وعبثاً وكذباً.
  ولهذا من عرفها بهذه الصفات عرف قبحها، ومن لم يعرفها ظلماً وكذباً وعبثاً لم يعرف قبحها؛ فليقع النظر في ذلك فإنه قاعدة لكثير مما يجري في كلامه، ولأن المتقرر في العقول أن القبيح من الرجل الأفضل أدخل في باب القبح من الأصغر الأدون، فإذاً القبح إنما يقع لوقوع الفعل على وجهٍ من أي فاعل كان.
  وأما ما ذكره [أي الفقيه] من قوله: «يتصرف في خلقه كيف يشاء، لا مانع له ولا دافع، ولا آمر ولا ناهي؛ بل هو المتفرد بإرادته ومشيئته».
  فالكلام عليه مثل ما قدمنا: إنْ حَملَ اللفظ على ظاهره فهو كلام حق، وقول صدق، تشهد له أدلة العقول، وواضح التنزيل، أنه سبحانه القادر الذي لا يُغْلَب، وأنه ليس فوقه تعالى من يأمره وينهاه؛ فإنه أجل وأعظم، وأنه سبحانه
(١) هذا طرف من حديث ومعناه: النقصان بعد الزيادة، وقيل فساد أمورنا بعد صلاحها.