كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الرد على تفسير الفقيه للظلم الذي نزه الله تعالى عنه، والرد على بقية كلامه]

صفحة 26 - الجزء 2

  المنفرد بالإرادة والمشيئة لا يغلبه غالب، ولا ينازعه إله آخر تعالى عن ذلك كله علواً كبيراً.

  وإنه قصد مثل ما ذكرنا من أنه يقع منه سبحانه ما صورته ووجهه صورة الظلم والكذب والعبث والسفه والأمر بما ليس في الوسع، والذم على تركه، والنهي عما لا يمكن الانفكاك منه، والعقاب على حصوله، وإرادة كل كائن من الأشياء المنكرات الواقعة وسائر الفحشاء، وتعذيب من لا ذنب له وأشباه ذلك، ويعتل بما تقدم من أن هذه القبائح لا تقبح منه وإن قبحت من العباد - فالجواب عنه: ما قدمنا من أن هذه القبائح قبحت لوقوعها على الوجوه التي تقع عليها، فلا يختلف حكمها باختلاف الفاعلين، وهذا هو الظاهر من مراده، ولهذا عقبه بما يظنه دلالة على هواه هذا الفاسد من قوله [أي الفقيه]: «لا تقاس أفعاله على أفعال المخلوقين، كما لا تقاس ذاته على ذواتهم، تقدس الله عن قول المُشَبِّه وفِريَتِه». ومتى كان هذا غرضه فالجواب عنه: مثل ما قدمنا من أن هذه الأمور تقبح عند العقلاء من كل من فعلها ولا يخطر ببالهم أنها صدرت من خالق أو مخلوق بل يعرف قبحها من لا يقر بالصانع من سائر المكلفين.

  وإن أراد أن أفعاله تعالى لا تقاس على أفعالهم من حيث التجانس، فلا شك في ذلك، فإن أفعاله تعالى تنقسم ثلاثة أقسام:

  أحدها: خلق الأجسام، وهذا مما تفرد الله تعالى بفعله؛ لأنه قادر لذاته ولا يصح فعل الأجسام إلا ممن هذه حاله، ولهذا يتعذر على كل قادر من العبيد إحداث شيء من الأجسام؛ لما كان قادراً بقدرة، فلو صح ذلك من بعضهم لصح من سائرهم، فكان أحدنا يفعل لنفسه ما شاء من الأموال والأولاد وغير ذلك من الأجسام، ولأن القادر من المخلوقين لا يفعل الفعل إلا فيه، أو بسبب فيه، ولا يمكنه أن يفعل الجسم في نفسه؛ لأن التداخل على الأجسام لا يصح لما كانت كلها متحيزة، ولا يفعله في غيره؛ لأنه لا يفعل في غيره إلا بأن يعتمد عليه،