كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[ذكر فقيه الخارقة للشهادتين والصلاة على النبي وآله وما يصح من ذلك]

صفحة 39 - الجزء 2

  قطعها على مذهب أهل الجبر على ما قدمنا تفصيله، ولعله بتكرره منا يوضح ذلك إن شاء الله تعالى.

  وكذلك ما ذكره من الغرض، وهو تبليغ رسالته؛ فليت شعري إذا كان الله تعالى عند هذا القائل يخلق كل كذب وقبيح في الدنيا من أولها إلى آخرها؛ فما يؤمنه أن يكون رسولاً بضد ما أظهره؟! ويكون تعالى معمياً بذلك على العباد، وكيف يكون رسولاً إليهم فيما ليس لهم فيه فعل؟! ويأمرهم بما ليس في وسعهم ولا طاقة لهم عليه عند أمره لهم؟! وكيف تصح عنده هذه الرسالة، وهو تعالى إن خلق فيهم الطاعات كانوا مطيعين ولو ملأ الأرض من الأباليس والشياطين وسائر المُغْوِين، وإن لم يخلقها فيهم بل خلق فيهم المعصية كانوا عاصين، ولو أرسل جميع الملائكة وكافة النبيين، ولا يكون على قولهم هذا للبعثة معنى يتحصل إلا كمن يرسل الرسل إلى الزنجي بأن يبيض أو الرومي أن يسود، وهذه جهالة عظيمة ممن بلغها.

  على أنه يقال له ما تقول وقد أرسل الله موسى وهارون @ إلى فرعون عليه اللعنة، وقال: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ٤٣ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ٤٤}⁣[طه]، هل أراد سبحانه من فرعون الطاعة فيما دَعَوَاه إليه من الإيمان والتذكرة والخشية؟ فكيف لم يقع مراده؟ وعندكم أنه لا يجوز أن يريد تعالى شيئاً ولا يقع، قلتم لأن ذلك يدل على ضعفه وعجزه.

  فإن قلتم: إنه سبحانه لم يرد من فرعون الطاعة والتذكرة والخشية بل كره ذلك منه، وأراد منه الكفر وادعاء الربوبية بنفسه دون الله سبحانه، فكيف يصح ذلك مع أنه تعالى قال: {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}⁣[طه: ٤٤]؟! وذلك يقتضي أنه سبحانه إنما أراد من فرعون الإيمان والتذكرة والخشية وإن لم يقع منه ذلك، وكيف يدعوانه إلى الإيمان مع أنه تعالى قد كرهه منه على مقالتكم القبيحة؟! وهل هذه إلا مخالفة منهما @ لله تعالى في مراده، ثم يكون إبليس وهامان لعنهما