كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الفرق بين حكمة الله وحكمة المخلوق]

صفحة 113 - الجزء 2

  فالجواب عنه: أنه رجوع عن الحد الأول؛ إذ لا يجتمع الحدان المختلفان على محدود واحد متى تنافت أحكامهما، مع أنه يلزمه من وجوه الفساد على هذا الحد مثل ما تقدم أو أكثر؛ لأنه يقال له: إنه يعرف قبح هذه القبائح من لا يعرف أن من صدرت عنه مملوك، بل لا يقر بالمالك أصلاً كالملحدة وأشباههم ويقال له: فيجب أن تقبح جميع أفعال العباد؛ لأن ملك التصرف فيهم حكمه مع الأفعال كلها على سواء الحسن منها والقبيح، ولا يحسن على هذا الموضوع الأمر ببعضها والنهي عن بعضها، وكذلك المدح والذم إلى سائر ما قدمنا.

[الفرق بين حكمة الله وحكمة المخلوق]

  وأما قوله: «ولا حكمته تشبه حكمة المخلوقين فيكون بفعله عابثاً».

  فالجواب عنه: أنه لا يصح هذا الكلام منه حتى يقر بأن العبد فاعل، وأنه قد يفعل الحسن لحسنه، وأنه يوجد من فعله ما يتنوع إلى حسن وقبيح، ومع اعتقاده أنه لا فاعل إلا الله، وأن القبيح في الأفعال من العباد لأمر يعمهم، ولا يوجد على موضوع حدوده هذه ما يتنوع من الأفعال لا يتم له شيء من ذلك، فكيف يطلق لفظة الحكمة على فعل العبد، وقد حالت عن ذلك هذه الحوائل على طريقه.

  على أنا لو تركنا هذه السدود التي تمنعهم من إطلاق هذا اللفظ فلسنا نثبت للعبد الحكمة على الإطلاق؛ لأنه إن امتنع عن فعل قبيح لعلمه قبحه واستغنائه عنه؛ فإنه مع ذلك يجوز عليه الجهل والنسيان، وإن وصفناه بالغِنى عنه فإن ذلك لأنه انتفع من الحسن بما أغناه عن القبيح وما جانس هذا المعنى فليس بغني على الإطلاق، ولهذا يجوز عليه عدم ما يستغني به من الحسن عن القبيح، فجوز عليه مواقعة القبيح للحاجة الداعية إلى ذلك لفقدان ما يغنيه عنها بخلاف القديم سبحانه فإنه غني على الإطلاق، ولا تجوز عليه الحاجة إلى شيء أصلاً فعلى هذا يصح أن حكمته لا تشبه حكمة المخلوقين؛ فليتدبر ما نبهناه عليه.