كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[إبطال الفقيه لمذهبه بقوله: والرد على إلزامه التعجيز]

صفحة 115 - الجزء 2

  فالجواب عنه: أن هذا هو الواجب لكنه يبطل مذهبه في أن الله تعالى خالق الأفعال الحسنة وخالق المدح عليها، وخالق الأفعال القبيحة، وخالق اللوم عليها؛ لأنه مع ذلك لا يلحقنا اللوم والتعيير فيما يفعله تعالى لعباده كما لا يلحقهم اللوم في خلق ألوانهم وصورهم وطولهم وقصرهم لَمّا كانت أفعاله تعالى لا يقدر عليها غيره عند الجميع، وكذلك يجب في الأفعال على مذهبهم الفاسد.

  وأما قوله: «أم نقول: نحن مستبدون بخلق أفعالنا ولا يقدر الله تعالى على خلق شيء منها، وأنه عاجز عن ذلك».

  فالجواب عنه: أن هذا منه رجوع عن القول الأول، وسد لباب اللوم لأنفسنا فيما فعلناه؛ إذ كان كلامه هذا يقتضي أن الفعل مشترك بين الخالق والمخلوق فيبطل ما ظنه من الاستبداد منا بالفعل واختصاص الباري بخلق أفعالنا دون القادرين منا؛ فينتقض بهذا ما قدمه من قوله، ونرجع باللوم على أنفسنا؛ فما هذه الأقوال التي ينقض بعضها بعضاً؟!

  ولأن لفظة «يقدر، ويعجز» لا تطلق إلا على الممكن دون المستحيل فلا يطلق على الباري أنه عاجز عن جمع الضدين، وعن إيجاد العالم فيما لم يزل، وأن يجعل العبد حياً ميتاً إلى غير ذلك في حالة واحدة.

  وأما قوله: «ولا يقدر الله على خلق شيء منها».

  فالجواب: أنه متى أثبت الفعل فعل العبد أجبناه بأن مقدوراً واحداً يستحيل من قادرين؛ لأنه لو كان كذلك وأراد أحدهما وجوده وكره الآخر أن يوجد وجب أن يوجد من جهة من أراد وجوده، وأن لا يوجد من جهة من كره وجوده؛ فيصير معدوماً موجوداً في حالة واحدة، وذلك محال، وإذا ثبت أن الأفعال كلها خلق الله تعالى دون العباد لم يصح تقدير ما قدره أيضاً من أنه تعالى لا يقدر عليها؛ إذ لا قائل منا إن لله تعالى مقدورات لا يقدر عليها؛ لأن هذه مناقضة ظاهرة.