كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[تخاليط الفقيه وتناقضاته في الجبر والتفويض وغيرهما]

صفحة 132 - الجزء 2

  مع اعتقاده لفساد كل واحد منهما، ومن قوله: إنه يأخذ بالوسط، ولا واسطة بين النفي والإثبات.

  وهاهنا أظهر التحير وأنه أمر يدق عن أفكار المعتبرين، وأعجب من هذا، قوله: «وهذا معنى ما أشار إليه حذاق أهل السنة من قولهم: إن العبد لا مطلق ولا موثق» لأنه إن لم يكن مطلقاً فهو موثق، وإن لم يكن موثقاً فهو مطلق؛ ففاز حذاق السنة بما لا يعقل من الواسطة بين النفي والإثبات على ظاهر قوله هذا!

  وأما قوله: «ولأجل هذا الإشكال والدقة رأى المشيخة من أهل السنة وجلة العلماء الوقف عن الكلام في ذلك والخوض فيه لقوله ÷: «إذا ذكر القضاء فأمسكوا» فكان هذا المذهب أحسن المذاهب لمن آثر الخلاص والسلامة؛ لكن عند الضرورات تباح المحظورات».

  فالجواب: أنه صرح هاهنا بأن الأمر مشكل عليه مع دقته، وهو نوع تخليط من جنس ما تقدم؛ فيقال له: إذا كان هذا الأمر مشكلاً عليك ولم تعلم هل الصواب في إضافة الفعل إلى القادر من العباد أو إلى الله سبحانه وتعالى فلِمَ أوقعت المناظرة على غير مذهب معلوم؟! والتخطية على مخالفيك في أمر لست منه على يقين؟! وهل أنت في ذلك إلا مقدم على ما لا تأمن كونه خطأ من دينك، وفي ذمك لغيرك على ما لا تأمن كونه مصيباً فيه، وكيف قطعت على أن كل واحد من القولين خطأ: الجبر والتفويض، ثم جمعت بينهما وجعلت مذهبك آخذاً بطرفيهما، ثم رجعت وجعلت مذهبك الوسط بينهما، ثم رجعت إلى أن الأمر غير معلوم عندك؟! قلتَ: وهو مذهب الحذاق من أهل السنة، وجلة العلماء والمشيخة؛ فليت أنك تفردت بهذه التخاليط وحدك ولم تنسبها إلى حذاق العلماء بزعمك؛ فإن كنت صادقاً في هذه النسبة إليهم فلقد وقعت الخسارة عليك وعليهم، وإن كنت مفترياً عليهم لقد خنت في أمانتك، ونطقت بالزور على أهل مقالتك.