كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[تخاليط الفقيه وتناقضاته في الجبر والتفويض وغيرهما]

صفحة 133 - الجزء 2

  على أنا قد ذكرنا في معنى ما رواه عن الإمام جعفر بن محمد @ في ذكر نفي الجبر والتفويض ما يمكنه أن يجعله مذهباً في هذا المقام، وهو أن القول بالجبر يبطل التكليف والأمر والنهي، وبعثة الرسل، وإنزال الكتب، والقول بالتفويض يكون إغراء للعباد بفعل المعاصي؛ إذ خلق لهم سبحانه الشهوات، ومكنهم من اللذات، وبناهم على الحاجات فلو لم يحاجز عنهم بالتكليف والأمر والنهي والوعد والوعيد لكان ذلك إغراء بفعل القبائح، وذلك يتعالى عنه ربنا سبحانه وتعالى.

  وأما قوله: «فكان هذا المذهب أحسن المذاهب لمن آثر الخلاص والسلامة».

  فالجواب: أنه لم يسكت ولا صان نفسه عن المذاهب المتناقضة تناقضاً فاحشاً، ولا سلم غيره من أذيته فيما تكلم به سواء قاله خصمه أو افتراه عليه، بل أمعن في ذلك إمعاناً لو كان له مذهب معقول لقيل: قد اجتهد في تصحيحه وحمايته، فكيف وقد صرح بأن الخلاص والسلامة كان في سكوته.

  ولعمري لقد كان السكوت أسلم له من هذه المناقضات، والانتهاء إلى مذهب غير معروف ولا معقول؛ لأنه تارة يتوسط بين النفي والإثبات، وتارة يجعلهما مذهباً له، وتارة يزعم أنه يختار السكوت ولا يعلم لنفسه مذهباً.

  وكان سكوته أسلم لخصمه أيضاً مما سطره من أذيته ومما دفعه إليه من مكالمته على ما انتهى فيه إلى أنه لا يعرف لنفسه فيه مذهباً يناظر عليه.

  ثم يقال له: هل يجب العلم بهذه المسألة، وهي: أن أفعال العباد من الله تعالى؟ أو من العباد؟ أو من الله تعالى ومن العباد معاً؟ أم لا يجب شيء من ذلك؟

  فإن قال: كان يجب عليهم؛ فقد نقض قوله: إنه أمر يدق عن أفكار المعتبرين؛ فكيف يجب عليهم ما ليس لهم إليه طريق، ولا يمكنهم الوصول إليه على وجه من الوجوه.

  وإن قال: لا يجب شيء من ذلك؛ فما وجه دخوله في هذه الأبواب؟ وادعائه